ثيابهم، ولطم خدودهم، وخمش وجوههم، ونتف شعورهم، والتصفيق بإحدى اليدين على الأخرى، ورفع أصواتهم عند المصيبة.

ولقد حضرت عند شخص، حين فارق الدنيا، وهو من الجند، فحين خرجت روحه، أتوا بجعبة نشاب، فكسروها بمجموعها، واحدة بعد واحدة عليه، وأتوا أيضاً بعدة الحرب فرموها عليه، وأنا مع ذلك أعظم وأقول لهم: هذا حرام، نهى الله ورسوله عن ذلك، وهذا فيه إضاعة مال، فقال بعضهم لي: لم يصبك ما أصابنا، فخرجت عنهم، ثم إنهم بعد ذلك ندموا على ما فعلوا من إتلاف ما أتلفوه.

«ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى» لأن في تلك الحالة هيجان الحزن، واستغراق الذهن، وذهول العقل بما دهمه، وتمكن الشيطان منه، فإن الشيطان ـ لعنه الله دائماً ـ يتمكن من بني آدم عند ذهول عقلهم: إما بسكر كما وقع في قصة هاروت وماروت، وهي مشهورة حين دعتهما المرأة إل ىقتل الولد، أو السجود للصنم، أو شرب القدح من الخمر مراراً، وأنهما شربا القدح من المسكر، فلما شربا سكرا، فأتيا كل ما أمرتهما به.

وكذلك ذهول العقل عند العشق، وعند الولاية، وعند كثرة المال، وعند المصيبة، فكل هذه الأمور العارضة للعبد في الغالب يحصل له بها ذهول العقل، فيتمكن الشيطان بها منه.

نسأل الله العافية، ودوام العافية، والثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، «فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله في دعائه: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر» الدعاء المشهور.

«وكان يقول: اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك» .

فالثبات في الأمور مطلوب شرعاً، كما أن العبد نهي عن الأمور المذمومة من اللجاج والطيش، والعجلة والحدة، وافتقاد الحزن، وغير ذلك من الأمور المذمومة التي لا أحصيها عدداً.

ويحاً لمن يقدم على الله تعالى مع هذه الأمور المذمومة التي نهى الشرع عنها، غير تائب منها، معتمداً على صومه وصلاته وحجه وعبادته، وهومع ذلك فرح مستبشر، كأنه قد جاز الصراط، وأعطي البراءة، وجاءه البشير من الله تعالى بالفوز والخلاص! ويحاً لمن بعتز بأعماله الظاهرة، وباطنه مثل المزابل! نسأل الله تعالى حسن التوفيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015