وفي هذه الآية رد واضح على من يتأول اليد بالقدرة أو النعمة، كما يفعله معطلة هذه الصفة؛ لأنَّه سبحانه ذكر اليد بالتثنية وأنهم يدان، فهل يقول من يجعل اليد بمعنى القدرة في هذا المقام: قدرتاه مبسوطتان!! فيجعل لله قدرتين، مع اتفاق المسلمين على أنَّ لله عز وجل قدرة شاملة على كلِّ شيء، ومشيئة نافذة في كلِّ شيء، ولم يقل أحد منهم إنَّ لله قدرتين.

وهل يقولون: نعمتان، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} 1، أي نعم الله لا تعد ولا تحصى. فمع التثنية لليدين في هذا النص ونظائره يَبطلُ قول من تأول اليد بالقدرة أو النعمة.

وقد بين أهل العلم بطلان هذا القول من وجوه كثيرة، وقد أنهى ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه الوجوه إلى عشرين وجهاً، كلها قوية واضحة في إبطاله 2.

" وقال عز وجل: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} "

والسياق في هذه الآية الكريمة في الرد على إبليس الذي امتنع عن السجود لأبينا آدم تجبراً وتكبراً عما أمره الله عز وجل به، فقد أمره الله والملائكةَ أن يسجدوا لآدم فسجدوا كلُّهم إلا إبليس أبى واستكبر، فقال الله جل وعلا مخاطباً إبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} أي ما المانع الذي جعلك تمتنع عن السجود لهذا الذي خلقته بيدي. والسياق سياق تشريف لآدم عليه السلام، وتمييز له، وتعلية لقدره، حيث جعله في هذا المقام العظيم أن أسجد له ملائكته، فسجدوا كلُّهم إلا إبليس امتنع تكبراً وعلواً.

ومن تشريف آدم: ما ذكره الله عز وجل في هذا السياق من أنَّه خلقه بيديه، أي باشر خلقه بيده تبارك وتعالى، كما قال عبد الله بن عمر رضي الله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015