آتنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة وقنا عَذَاب النَّار زَاد مُسلم وَكَانَ أنس رَضِي الله عَنهُ إِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو بدعوة دَعَا بهَا وَإِذا أَرَادَ أَن يَدْعُو بِدُعَاء دَعَا بهَا فِيهِ وَأخرجه من حَدِيثه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ والْحَدِيث من جَوَامِع الْكَلم وَقد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَحبّ الْجَوَامِع من الدُّعَاء ويدع مَا سوى ذَلِك كَمَا أخرجه ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد من حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَقد اخْتلف فِي تَفْسِير الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا والحسنة فِي الْآخِرَة فَروِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة وَفِي الْآخِرَة الْحور وَعَذَاب النَّار امْرَأَة السوء وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الْعلم وَالْعِبَادَة وَفِي الْآخِرَة الْجنَّة وَمعنى وقنا عَذَاب النَّار احفظنا من كل شَهْوَة وذنب وَقيل الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا الصِّحَّة والكفاف والعفاف والتوفيق للخير والحسنة فِي الْآخِرَة الثَّوَاب وَالرَّحْمَة وَقيل غير ذَلِك مِمَّا يطول ذكره
وَالْحَاصِل أَنه لَا عُمُوم لِأَنَّهُ لَا صِيغَة عَامَّة هَاهُنَا لِأَن وُقُوع النكرَة فِي حيّز الْأَثْبَات لَا يُفِيد الْعُمُوم إِلَّا أَن العَبْد يعْطى فِي الدُّنْيَا حَسَنَة وَاحِدَة وَفِي الْآخِرَة حَسَنَة والحدة وَمَعْلُوم أَنه لَو كَانَ الْمَطْلُوب حَسَنَة وَاحِدَة لم يكن هَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم وَلَا وَقعت مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمُوَاظبَة عَلَيْهِ حَتَّى كَانَ أَكثر دُعَائِهِ فَالظَّاهِر أَن المُرَاد أَنه يكون مَا يعطاه فِي الدُّنْيَا حَسَنَة فَيكون كل خصْلَة من خِصَال الدُّنْيَا حَسَنَة وكل خصْلَة من خِصَال الْآخِرَة حَسَنَة أَو تفسر الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا بفرد من أفرادها يسْتَلْزم سَائِر الْأَفْرَاد وتفسر الْحَسَنَة فِي الْآخِرَة بفرد من أفرادها يسْتَلْزم جَمِيع الْأَفْرَاد وَذَلِكَ بِأَن يُقَال المُرَاد حسن الْمعَاد وَحسن المعاش وَحسن الْحَيَاة وَحسن الْمَمَات فَإِن ذَلِك يسْتَلْزم أَن يكون كل أُمُور دُنْيَاهُ وآخرته حَسَنَة قَالَ النَّوَوِيّ وَأظْهر الْأَقْوَال فِي تَفْسِير الْحَسَنَة فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا الصِّحَّة والعافية وَفِي الْآخِرَة التَّوْفِيق للخير وَالْمَغْفِرَة وَلَا يخفاك أَن الصِّحَّة دَاخِلَة فِي الْعَافِيَة والتوفيق للخير يسْتَلْزم عدم وجود الشَّرّ فَلَا ذَنْب حَتَّى يغْفر وَلَو فسر حَسَنَة الدُّنْيَا بِمُجَرَّد الْعَافِيَة وحسنة الْآخِرَة بهَا لَكَانَ ذَلِك أولى وأنسب لما سَيَأْتِي من أَن سُؤال الْعَافِيَة يسْتَلْزم حُصُول المطالب كلهَا للْعَبد