أوجبت لقائله الرَّحْمَة من قربَة أَي قربَة كَانَت أَي نَسْأَلك مَا أوجب لنا رحمتك حسب وَعدك الصدْق الَّذِي لَا يجوز الْخلف فِيهِ بِقَوْلِك كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة وَبقول رَسُولك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيمَا يحكيه عَنْك تَبَارَكت وَتَعَالَيْت سبقت رَحْمَتي غَضَبي والعزائم جمع عَزِيمَة والعزيمة عقد الْقلب على إِمْضَاء الْأَمر أَي نطلب مِنْهُ أَن ترزقنا العزائم منا على الطَّاعَات الَّتِي نتوصل بهَا إِلَى الْمَغْفِرَة
وَهَذَا الدُّعَاء من جَوَامِع الْكَلم النَّبَوِيَّة فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَولا أَن يرزقه مَا يُوجب لَهُ رَحْمَة الله عز وَجل وَمن فعل مَا يُوجب لَهُ الرَّحْمَة فقد دخل بذلك تَحت رَحمته الَّتِي وسعت كل شَيْء واندرج فِي سلك أَهلهَا وَفِي عداد مستحقها ثمَّ سَأَلَهُ أَن يهب لَهُ عزما على الْخَيْر يكون بِهِ مغفورا لَهُ فَإِن من غفر الله لَهُ ذنُوبه وتفضل عَلَيْهِ برحمته فقد ظفر بخيري الدَّاريْنِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَاسْتحق الْعِنَايَة الربانية فِي محياه ومماته وَلِأَنَّهُ قد صفا عَن كدورات الذُّنُوب وأدران الْمعاصِي وشملته الرَّحْمَة الَّتِي توصل إِلَى السعادتين وَتصرف عَنهُ الشقاوتين ثمَّ لما كَانَ الْإِنْسَان بعد مغْفرَة ذنُوبه لَا يَأْمَن من الْوُقُوع فِي معاصي آخِره وَفِي ذنُوب مستأنفة سَأَلَ ربه أَن يرزقه السَّلامَة من كل إِثْم كَائِنا مَا كَانَ كَمَا تدل عَلَيْهِ هَذِه الْكُلية الَّتِي لَا يخرج عَنْهَا فَرد من أفرادها وَقد تفضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على بعض عباده بالسلامة من كل ذَنْب وَإِن لم تكن الْعِصْمَة ثَابِتَة لغير الْأَنْبِيَاء لَكِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَنْبِيَاء وَاجِبَة وبالنسبة إِلَى غَيرهم جَائِزَة وسؤال الْجَائِز جَائِز وَإِن كَانَ لَا يَخْلُو من الذَّنب أحد وَلَا يسلم من الْمعْصِيَة فَرد من أَفْرَاد من لم يُوجب الله تَعَالَى لَهُ الْعِصْمَة كَمَا فِي قَوْله فِي حَدِيث لَو لم تذنبوا فتستغفروا لجاء الله بِقوم يذنبون فيستغفرون فَيغْفر لَهُم وَقد تقدم ثمَّ لما كَانَت مغْفرَة الذَّنب والسلامة مِنْهُ لَا تَسْتَلْزِم أَن يفعل العَبْد الطَّاعَات وَيَرْزقهُ الله مِنْهَا مَا يَشَاء قَالَ وَالْغنيمَة من كل بر أَي من كل نوع من أَنْوَاع الْبر كَمَا تدل عَلَيْهِ هَذِه الْكُلية وَالْبر بِكَسْر الْبَاء الطَّاعَة فَكَأَنَّهُ قَالَ وَالْغنيمَة من كل طَاعَة وَمن فتح لَهُ بَاب الاغتنام من جَمِيع أَنْوَاع طاعاته فقد يسر لَهُ من الْخَيْر مَا يفوز بِهِ وَيدْرك عِنْده