اجْعَل التَّمَتُّع بِهَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة هُوَ الْوَارِث منا أَو إِلَى مصدر اجْعَل اي اجْعَل هَذَا الْجعل الْوَارِث منا أَو الضَّمِير بِمَعْنى اسْم الْإِشَارَة وَقد وَقع مثل هَذَا فِي الْكتاب الْعَزِيز كثيرا كَمَا أوضحت ذَلِك فِي التَّفْسِير الَّذِي سميته فتح الْقَدِير ثمَّ سَأَلَهُ أَن يَجْعَل ثَأْره على من ظلمه والثأر فِي الأَصْل هُوَ الدَّم الَّذِي يكون عِنْد قوم لقوم وطالب الثأر هُوَ طَالب الدَّم يُقَال ثأرت الْقَتِيل وثأرت بِهِ أَي طلبت بدمه واستوفيته من قَاتله وَإِنَّمَا خص من ظلمه لِأَن الانتصاف من الظَّالِم هُوَ الَّذِي وَردت بِهِ الشَّرِيعَة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَلمن انتصر بعد ظلمه فَأُولَئِك مَا عَلَيْهِم من سَبِيل} وَقَوله تَعَالَى {فَمن اعْتدى عَلَيْكُم فاعتدوا عَلَيْهِ بِمثل مَا اعْتدى عَلَيْكُم} {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَغير ذَلِك وَأما سُؤَاله للنصر على غير من ظلمه فَذَلِك تعد وشروع فِي ظلم جَدِيد إِلَّا أَن يكون مِمَّن يجوز الِانْتِصَار عَلَيْهِ ابْتِدَاء كالكفار والبغاة وَلَكِن هَذَا يدْخل تَحت قَوْله وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا فَإِن فريق الْكفَّار على اخْتِلَاف أنواعهم أَعدَاء لفريق الْمُسلمين وَهَكَذَا فريق الْبُغَاة أَعدَاء للمبغى عَلَيْهِم بل هم إِذا قد وَقع الاعتداء عَلَيْهِم ظَالِمُونَ فَيدْخل تَحت قَوْله وَاجعَل ثَأْرنَا على من ظلمنَا كَمَا يدْخل تَحت قَوْله وَانْصُرْنَا على من عَادَانَا ثمَّ أَخذ فِي نوع آخر من الدُّعَاء فَقَالَ وَلَا تجْعَل مُصِيبَتنَا فِي ديننَا أَي لَا تبتلنا بالمصائب الدِّينِيَّة فَإِنَّهَا هِيَ المصائب الَّتِي يعود ضررها على الْحَيَاة المستمرة الدائمة بِلَا انْقِطَاع وَأما مصائب الدُّنْيَا فَهِيَ زائلة منقضية بانقضائها وذاهبة بذهاب الْحَيَاة وَبَين الْأَمريْنِ من الْبعد مَا بَين الْمشرق وَالْمغْرب ثمَّ لما كَانَت الدُّنْيَا حقيرة يسيرَة والبقاء فِيهَا ذَاهِب وطويلها كالقصير وباقيها كذاهبها قَالَ وَلَا تجْعَل الدُّنْيَا أكبر هَمنَا فَإِنَّهَا لَيست بِحَقِيقَة بذلك وَإِنَّمَا قَالَ اكبر هَمنَا لِأَن يسير الْهم لَا بُد مِنْهُ فِي دَار الأكدار وَلَو لم يكن إِلَّا بتحصيل مَا تمس إِلَيْهِ الْحَاجة من قوام الْعَيْش وسداد الْفَاقَة ثمَّ لما كَانَ الْعلم بأحوال الدُّنْيَا وصفاتها وتقلباتها بِأَهْلِهَا لَيْسَ من الْعلم النافع وَلَا مِمَّا يحصل بِهِ الثَّوَاب وَالْأَجْر عَلَيْهِ قَالَ وَلَا مبلغ علمنَا يَعْنِي بِحَيْثُ يكون رَأس مَعْلُومَات الْإِنْسَان وَغَايَة مَا يطمح إِلَيْهِ