يبلغهُ بِهِ جنته وَلَا شَيْء أَنْفَع من هَذِه الْأُمُور الَّتِي يبلغ بهَا صَاحبهَا إِلَى الْجنَّة فَإِن الْجنَّة هِيَ الْغَايَة القصوى وَالْمطلب الأسمى وَالْمَقْصُود الْأَعْظَم وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من الْفضل الرباني والتفضل الرحماني وَلِهَذَا صَحَّ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ سددوا وقاربوا وَاعْلَمُوا أَنه لن يدْخل أحد الْجنَّة بِعَمَلِهِ قَالُوا وَلَا أَنْت يَا رَسُول الله قَالَ وَلَا أَنا إِلَّا أَن يتغمدني الله برحمته ثمَّ سَأَلَهُ أَن يرزقه من الْيَقِين مَا يهون بِهِ عَلَيْهِ مصائب الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَن من حصل لَهُ الْيَقِين التَّام وَالْإِيمَان الْخَالِص علم أَن الْأُمُور بِقدر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنه الْمُعْطِي الْمَانِع والضار النافع لَيْسَ لأحد مَعَه حكم وَلَا لَهُ مَعَه تصرف وَعند ذَلِك تهون عَلَيْهِ المصائب الدُّنْيَوِيَّة لِأَن تَقْدِيره عز وَجل لَا يَخْلُو عَن حكم ومصلحة للْعَبد لَو كشف لَهُ الغطاء لوجدها أَنْفَع لَهُ وَمَعَ ذَلِك يَنْبَغِي لَهُ أَلا يعْمل الِاسْتِعَاذَة بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من شَرّ الْقَضَاء وَقد جعل صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْإِيمَان بِالْقدرِ خَيره وشره دَاخِلا تَحت مَفْهُوم الْإِيمَان كَمَا تقدم فَإِذا حصل للْعَبد الْإِيمَان الْكَامِل فَهُوَ الْيَقِين الْكَامِل الَّذين تهون بِهِ عَلَيْهِ مصائب الدُّنْيَا وَبِالْجُمْلَةِ فَمن جَاهد نَفسه حَتَّى تصير مُؤمنَة بِقدر الله عز وَجل عَاشَ سعيدا وطاحت عَنهُ الهموم والغموم الَّتِي يجلبها ضعف الْإِيمَان وَعدم كَمَاله اللَّهُمَّ قو إيمَاننَا وارزقنا الْيَقِين الَّذِي لَا يتَعَلَّق بذيله شكّ قلب وَلَا شُبْهَة نفس ثمَّ بعد هَذَا سَأَلَهُ أَن يمتعه بِمَا لَا يتم الْإِتْيَان بِمَا فَرْضه الله عَلَيْهِ إِلَّا بِهِ وَلَا تصفو لَهُ الْحَيَاة بِدُونِهِ فَقَالَ وَمَتعْنَا بأسماعنا وأبصارنا وَقُوَّتِنَا أبدا مَا أَحْيَيْتَنَا أَي أَدَم لنا الِانْتِفَاع بِهَذِهِ الْأُمُور مَا دمنا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَا حَيَاة لمن لم يكن مُتَمَتِّعا بهَا وَلَا عَيْش لمن فقدها ثمَّ أكد مَا أَفَادَهُ هَذَا الْكَلَام بقوله واجعله الْوَارِث منا أَي اجْعَلْهُ بَاقِيا نَافِعًا حَتَّى تتوفانا فَمَعْنَى الوراثة لُزُومهَا لَهُ عِنْد مَوته لُزُوم الْوَارِث لَهُ فَكَأَنَّهَا لما لم تذْهب إِلَّا بذهابه وَلم تفقد إِلَّا بِمَوْتِهِ بَاقِيَة والنفع بهَا مُسْتَمر وَهَذَا الْمَعْنى قد أَفَادَهُ قَوْله مَا أَحْيَيْتَنَا وَلكنه زَاده تَأْكِيدًا وتقريرا وَالضَّمِير فِي قَوْله واجعله يعود إِلَى الْمَذْكُور وَهِي الْأُمُور الثَّلَاثَة أَو إِلَى مصدر متعنَا أَي