حكاية عجيبة: كان أبو علي يحضر مجلس علاء الدولة وعليه قباء داري وعمامة خيش وخف أدم، ويجلس بين يديه قريباً منه. وكان يتبين أثر السرور في وجه الأمير إذا حضر، لتعجبه من جماله وفضله وظرفه، فإذا تكلم بين يديه استمع له أهل المجلس، لا ينبسون بحرف حتى (ينتهي) . واتفق أن أعطاه الأمير علاء الدولة منطقة مفضضة مذهبة مع السكاكين، ثم رآها الأمير مع غلام من خواص غلمانه، فقال له من أين هذه المنطقة؟ فقال أعطانيها الحكيم. فاشتد غضبه عليه، وصك وجهه ورأسه وأمر بقتله، فطلبوه فوجده واحد من أصحاب الأمير فخلاه حتى هرب، وقد غير ثيابه وزيه.
فورد الري على هيئة المتصوفة وعليه مرقعة، وليس معه شيء ينفقه على نفسه، فدخل السوق لتحصيل القوت، فرأى أن يطالع مقامات الناس ليتخذ ما هو أروح، وكان يطالع واحداً بعد واحد، حتى اطلع على شاب ظريف اتخذ مقاماً على باب داره، وقد اجتمع عليه خلق كثير فأرته إمرأة تفسره فقال لها: هذه تفسرة يهودي، فاعترفت وقالت: هي كما نقول. ثم قال: وقد تناول رائباً. فقالت: نعم. ثم قال: داركم في المدينة في موضع منخفض من الأرض، فقالت: هي كذلك. فتعجب الحكيم من ذلك، فنظر الشاب إليه وقال: أنت أبو علي بن سينا، هربت من علاء الدولة فاجلس، فجلس بجنبه حتى فرغ الشاب من شأنه، وأخذ بيده وأدخله داره، وأمر حتى أدخل الحمام، وألبسه ثياباً حسنة، ودعا با (لطعام فقال) للشيخ أبي علي: كيف تعرف من التفسرة أنها تفسرة يهودي فقال: رأيت في يدها قميصاً عليه غيار اليهود، ورأيته ملوثاً بشيء من الرائب، فحدست أنه اشتهى الرائب وتناوله، واليهود كلهم يسكنون المدينة الداخلة من بلدنا، وجميع الدور في تلك المدينة في انخفاض. فقال له الشيخ وكيف عرفتني؟ فقال الشاب: كنت أسمع بجمالك وحسن هيئتك وفطانتك، فلما نظرت إليك حدست أنك هربت من علاء الدولة، وأني لأعلم أنه يزول غضبه عليك، ويشتاق إلى لقائك، ويردك إلى مجلسه، فأردت أن أتخذ عندك يداً. قال أبو علي: فما حاجتك؟ فقال الشاب أن تحضرني مجلس الأمير، وتحكي له ما رأيته لعله يستظرفني للمنادمة. فما مضى إلا أيام قلائل (حتى) طلب علاء الدولة الحكيم، وخلع عليه، ورده إلى مجلسه. فحمل أبو علي معه الشاب إلى أصفهان، وحكى للأمير ما رأى من حاله، وارتضاه الأمير وصار من ندمائه.
نسخت عما كتبه أبو علي لنفسه وما كان في النسخة التي انتسخت منها غير مكتوب تركته ضرورة عدم وجوده، وشرعت بذكر الحكيم أبي الريحان محمد بن أحمد البيروني.
من أجلاء المهندسين وقد سافر في بلاد الهند الأربعين سنة ونصف كتباً كثيرة، ورأيت أكثرها بخطه. والقانون المسعودي الذي صنفه في عهد السلطان شهاب الدولة مسعود بن محمود غرة في وجوه تصانيفه، وله مناظرات مع أبي علي، ولم يكن الخوض في بحار المعقولات من شأنه، وكل ميسر لما خلق، وزادت تصانيفه على حمل بعير، وكان موفقاً في هذا السعي المشكور. وبيرون التي هي منشأوه ومولده، بلدة طيبة فيها غرائب وعجائب. ولا غرو فإن الدر ساكن الصدف.
قال في تحقيق أمر منازل القمر: سهولة الشيء وصعوبته قلما تطلق. وإنما تضافان إليه بحسب اختلاف الأحوال، فيسهل بها من جهة ويتعذر (من) أخرى.
وقال: جل خطر الملوك عن المجازاة بالانتقام.
ليس للملك أن يحسد إلا على حسن التدبير والسياسة.
الملك أقل الناس خوفاً من الفقر، وأكثر الناس خطراً وقرباً إلى الهلاك، فليس له أن يبخل ويجبن، فإن ما قل عنده لا يكثر، وما كثر لا ينعدم.
المن يبطل إحسان المحسن.
العاقل من استغنى بتدبير اليوم (عن تدبير الغد) لا تحقر الأمر الصغير، فللأمر الصغير موضع ينتفع به، وللأمر الكبير موقع لا يستغنى عنه.
ما اجتمعت عليه الألفة والعادة واصطلحت عليه العامة فلا تخالفه من كفاه التأديب بالكلام لا يؤدب بالسوط والسيف. مدارسة أخلاق الحكماء والعلماء تحيي السنة الحسنة، وتميت البدعة (السيئة) .
السنن الصالحة علامات الخير والحق. لكل يوم أمر حاضر، ولكل غد ما فيه يحدث
له رسالة في تفسير أقسام الموجودات، وتصانيف لطيفة.