ثم قال تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر:2]، فلما قال لهم السفار: إننا رأينا القمر منفلقاً، قالوا: ما زاد الأمر شيئاً؛ هذا سحر محمد مستمر علينا وعليكم، وما زالت الأمور عندهم في لبس وظنون؛ لأنهم لا يريدون أن يؤمنوا.
ثم قال جل وعلا: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر:3].
معنى قوله تعالى: ((وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ))، أي: كل أمر في الدنيا سيكشف، وسينتهي إلى جلاء، قال طرفة بن العبد: ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود فمهما حاول الإنسان أن يخفي شيئاً فإنه سيتضح، وكل الأمور إذا صبرت عليها ستنتهي بك إلى خير أو إلى شر، هذا إذا أخذت الآية بعمومها.
أما إذا أخذت الآية بخصوصها، فإن المعنى كما -قال العلماء-: ((وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ)) أي: أن أمر المسلمين إلى الجنة، وأمر الكفار إلى النار، فأمر أهل الخير إلى خير، وأمر أهل الشر إلى شر.
والآية تحتمل المعنيين، وفي قواعد التفسير أن الآية إذا احتملت معنيين ينزل المعنى على كلا المعنيين.
ثم قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر:4].
قلنا: إن هؤلاء القرشيين جاءتهم من الآيات الكثيرة، ولكن الله لم يكتب لهم الهداية، فما تغني عنهم الآيات، كما قال الله: {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101]، وقد كان عبد الله بن أبي بن سلول يحضر الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول أخلص الناس وأصفح الناس وأعلم الناس، فيستمع الخطبة كلها، ثم يخرج من المسجد كما دخل لم يتعظ بكلام سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، فاحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الهداية؛ وإذ لا توجد نعمة أعظم من نعمة الهداية أبداً؛ لأن النعم قسمان: نعمة خلق وإيجاد، ونعمة هداية وإرشاد.
يقول الله عز وجل: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5].