قال تعالى: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، والقمر آية من آيات الله، وهو مسير بأمر الله في غدوه ورواحه، وشروقه وغروبه، وطلوعه ومغيبه، وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الفترة المكية طلب القرشيون منه آية، فأشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر، فانفلق القمر بأمر الله فلقتين حتى رأى الناس حراء الجبل المعروف في مكة بين الفلقتين، وفي بعض الروايات أنهم كانوا في منى، وفي بعضها أنهم كانوا في مكة، فقال صلى الله عليه وسلم، وكان بجواره أبو بكر: (اشهدوا) فهذه حجة أقامها الله على القرشيين على قرب قيام الساعة، وعلى صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال بعض القرشيين لبعض: لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشة، إنما سحر أعينكم، فإذا كان السفار -أي: المسافرون- في غير مكة، فاسألوهم إن كانوا رأوا القمر، فإنه إن قدر على سحركم لا يقدر على سحر غيركم، فلما أقبل السفار من كل وجه سألوهم فقالوا: نعم، شهدنا القمر قد انفلق فلقتين، مع ذلك كله لم يؤمنوا، ولم يؤمن إلا من كتب الله الإيمان، ولذلك الله جل وعلا قال: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ} [القمر:5]، وقولهم: سحركم ابن أبي كبشة؛ لأن أبا كبشة هو زوج حليمة، فهو أب للنبي عليه الصلاة والسلام من الرضاعة، فقول القرشيين: لا يغرنكم سحر ابن أبي كبشة يقصدون النبي عليه الصلاة والسلام، ولكن نسبوه إلى أبيه من الرضاعة، ولم ينسبوه إلى أبيه من النسب.
وهذه الآية إحدى معجزاته صلوات الله وسلامه عليه، ولا شك في أن للنبي عليه الصلاة والسلام معجزات كثيرة لا تعد ولا تحصى، بل قال الإمام الشافعي رحمه الله: إنه ما أعطي نبي نوعاً من المعجزات إلا وأعطي النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
قال شوقي: أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم أي: إذا كان عيسى كلم ميتاً، فإنك أحييت أمة من الموت.
ونجد العلماء عند معجزة عيسى وإحيائه للموتى يقولون: إذا كان عيسى قد أحيا الموتى فإن نبينا صلى الله عليه وسلم قد حن له الجذع، وموات الجذع في الأصل أعظم من موات الميت، وأياً كان فلا يحسن التفضيل بين الرسل بهذه الطريقة.