وللساعة أشراط مع أنه أخفى الله تبارك وتعالى وقتها، قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الأعراف:187].
والمقطوع به أنها لا تقوم إلا يوم جمعة، ولكن الله جل وعلا جعل لها أشراطاً وعلامات، وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم الناس بهذه الأشراط والعلامات، وقد سأل جبريل نبينا عليه الصلاة والسلام فقال: (أخبرني عن الساعة؟) وجبريل يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يعلم وقت الساعة، ولكن هذا من باب تعليم الناس، فقال: (أخبرني عن الساعة؟) والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أن جبريل لا يعلم، ويعلم أن هذا هو جبريل، وإن كان في غير هيئته التي خلقه الله عليها، فلذلك قال له: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أي: علمي وعلمك فيها سواء، فلا أنا ولا أنت نعلم متى تكون الساعة.
ولكن الله جعل لها أشراطاً وعلامات، قال الله في كتابه: {فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18]، أي: علاماتها.
فالعلماء رحمهم الله تقصوا القرآن، وتقصوا السنة والآثار الصحيحة، فتبين لهم أن هناك أشراطاً اصطلح على تسميتها بعلامات صغرى، وأخرى اصطلح على تسميتها بعلامات كبرى، والعلامات الكبرى تأتي منتظمة بعضها وراء بعض، وتبدأ من ظهور المهدي حتى قيام الساعة، وما قبل ذلك قد يكون بطيئاً، والله جل وعلا أعلم.
فمن العلامات التي تدل على قرب الساعة مبعثه صلى الله عليه وسلم كما بينا في الحديث، وقد ذكر عليه الصلاة السلام أحاديث تدل على قرب الساعة، منها فتح بيت المقدس، وهذا قد وقع، ومنها مقتل أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وفتح باب الفتنة، ومنها قوله عليه الصلاة السلام -كما في الصحيحين-: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجار تضيء لها أعناق الإبل ببصرى) وبصرى هي الآن محافظة حوران في سوريا غير بعيدة عن دمشق، والنار التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وقعت عام (654هـ) أي في أواسط القرن السابع، حيث خرجت نار من المدينة من جهة الحرة الشرقية عند حرة بني قريظة، فرآها من كان في مدينة حوران في سوريا، ووقع صدق ما أخبر به نبينا صلى الله عليه وسلم.
ولذلك حرص العلماء على تدوين هذه الحادثة؛ لأن فيها دليلاً على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر العلماء -كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية وغيره- أن كثيراً من طلبة العلم آنذاك ممن هم في القرى النائية حول المدينة كانوا يكتبون ويحررون الكتب ويقرءون على ضوء تلك النار، وقد سبقها رجفات وزلزلة شديدة، قال بعض من شهد تلك النار: إن ارتفاعها في أول ظهورها كان كعلو ثلاث منارات، ولا ندري كيف كانت المنارة آنذاك، ولا شك في أن فيها شيئاً من الارتفاع، ثم أخذت تزيد، واستمرت أياماً عديدة.
والذي نقصده ونعنيه في سياق هذا الخبر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من قرب قيام الساعة، وهو -عليه الصلاة والسلام- عندنا وعند كل مؤمن صادق مصدوق لا شك في ذلك، صادق فيما يقول، مصدوق فيما يقال له صلوات الله وسلامه عليه.
ومن أشراط الساعة أيضاً، ما أخبر به عليه الصلاة والسلام من أن الساعة لن تقوم حتى تكلم السباع الإنس، وأصل الحديث -فيما رواه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بسند صحيح- (أن أعرابياً كان يرعى الغنم، وبينما هو يرعاها جاء ذئب فانتزع شاة منه، فتبعه الراعي واستطاع أن يأخذ الشاة، فأقعى الذئب على ذنبه وقال: اتق الله، رزق ساقه الله إلي تنزعه مني! فتعجب الأعرابي وقال: سبحان الله! ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس! فقال الذئب: أعجب منه محمد صلى الله عليه وسلم في يثرب يحدث الناس بأخبار من سبقه، فقام الأعرابي وأخذ غنمه فقدم المدينة، ثم وضع غنمه في زاوية من زواياها، ثم دخل المسجد وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فنودي في الناس بأن الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس أمر النبي عليه الصلاة والسلام الأعرابي أن يقول لهم القصة كلها، فقالها الأعرابي، فقال صلى الله عليه وسلم: صدقت والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه).
وهذا سيقع كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم، إن متنا قبله أو شهدناه، فأياً كان الأمر فنحن نؤمن بكل خبر صح عن رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.
فهذه الأشراط كلها قد تكون ممهدة للساعة، أما أعظم الأشراط الذي يؤذن بقرب الساعة حقاً فهو خروج المهدي، والمهدي رجل من ذرية نبينا صلى الله عليه وسلم يخرج في آخر الزمان، واسمه على اسم رسول الله محمد بن عبد الله الحسني العلوي الفاطمي الهاشمي، فهو حسني لأنه من ذرية الحسن، وعلوي لأنه من ذرية علي، وفاطمي نسبة إلى فاطمة، وهاشمي لأن علياً من بني هاشم، وجده لأمه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الحسن من فاطمة، وفاطمة أبوها رسولنا صلوات الله وسلامه عليه.
فهذا الرجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وفي زمنه يخرج الدجال فيقتتلان، وفي قمة الصراع بينهما ينزل عيسى ابن مريم فيصبح ثاني الأشراط الكبرى بعد خروج المهدي، والدجال شاب قطط أعور العين اليمنى أحمر كأن عينه عنبة طافية، كتب الله له شيئاً من السلطان فتنة للناس، قال عليه الصلاة والسلام: (ما من فتنة من خلق آدم إلى أن تقوم الساعة أعظم من الدجال) وقال عليه الصلاة والسلام: (أنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وإنه لا محالة خارج فيكم، فإن يخرج وأنا بين أظهركم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج وأنا ميت فكل حجيج نفسه)، ثم أوصى صلى الله عليه وسلم بقراءة أوائل سورة الكهف؛ لأن الله أخبر في أوائل سورة الكهف بأن أولئك الفتية عصمهم الله من الطاغية في زمانهم، فمن يقرأ هذه السورة ويحفظ أولها يعصم من الطاغية الدجال.
وفي حياة الدجال ينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام مطأطئاً رأسه كأنه تنزل منه قطرات ماء، وليست قطرات ماء، ولكن يظهر لمن رآه أنه توضأ لتوه، فينزل ومعه حربه فيقتل الدجال، فإذا قتل الدجال أسلم الناس، فيمكث عليه الصلاة والسلام لا يقبل الجزية، ولا يقبل إلا الإسلام، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (طوبى للناس العيش بعد عيسى ابن مريم؛ فإنه في حياته ينزع الله حمة كل ذي حمة) أي: شر كل ذي شر، ثم يمكث عيسى ما شاء الله، وقد ورد أنه يمكث سبع سنين، وورد غير ذلك، ثم بعد ذلك يبدأ الأمر في النقصان حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت لا يقبل الله جل وعلا توبة أحد كائناً من كان، قال الله جل وعلا: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام:158]، ثم يبدأ الناس يتناقصون دينيناً، حتى يأتي ذو السويقتين من أرض الحبشة فيهدم الكعبة وينزعها حجراً حجراً، ويسلبها كنوزها، ثم بعد ذلك يأخذ الإيمان في التلاشي، ويرفع القرآن في ليلة، ثم يبقى شرار خلق الله أعاذنا الله وإياكم من تلك الحقبة، ثم يأمر الله ملكاً يقال له: إسرافيل أن ينفخ فينفخ، فهذه نفخة الصعق الأولى، وهي الساعة التي حذر الله جل وعلا عباده.
فهذا معنى قول الله: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر:1].