أشهر. ثم خرج وهو أجهل منه يوم دخله. فقال عبد الملك: قد أعذر.
وفي سنة ستّ وتسعين بويع سليمان بن عبد الملك في اليوم الذي فيه مات الوليد اخوه. قالوا انه كان خيّرا فصيحا نشأ بالبادية عند أخواله بني عبس. وردّ المظالم وآوى المشترين وأخرج المحبسين. وفي سنة ثماني وتسعين من الهجرة وهي سنة ألف وسبعة وعشرين للإسكندر جهز سليمان جيشا مع أخيه مسلمة ليسير الى القسطنطينية. وسار حتى بلغها في مائة ألف وعشرين ألفا وعبر الخليج وحاصر المدينة. فلما برّح بأهلها الحصار أرسلوا الى مسلمة يعطونه عن كل رأس دينارا.
فأبى ان يفتتحها الّا عنوة. فقالت الروم للاون البطريق: ان صرفت عنّا المسلمين ملّكناك علينا. فاستوثق منهم وأتى مسلمة وطلب الامان لنفسه وذويه ووعده ان يفتح له المدينة غير انه ما يتهيأ ذلك ما لم يتنحّ عنهم ليطمئنوا ثم يكرّ عليهم. فارتحل مسلمة وتنحى الى بعض الرساتيق. ودخل لاون فلبس التاج وقعد على سرير الملك. واعتزل الملك ثاوذوسيوس ولبس الصوف منعكفا في بعض الكنائس. ولأنّ مسلمة لما دنا من القسطنطينية أمر كل فارس ان يحمل معه مدّين من الطعام على عجز فرسه الى القسطنطينية لما دخل لاون المدينة وتنحى مسلمة اعدّ لاون السفن والرجال فنقلوا في ليلة ذلك الطعام ولم يتركوا منه الّا ما لم يذكر وأصبح لاون محاربا وقد خدع مسلمة خديعة لو كانت امرأة لعيّبت بها. وبلغ الخبر لمسلمة فأقبل راجعا ونزل بفناء القسطنطينية ثلثين شهرا فشتا فيها وصاف وزرع الناس. ولقي جنده ما لم يلقه جيش آخر حتى كان الرجل يخاف ان يخرج من العسكر وحده من البلغاريين الذين استجاشهم لاون ومن الافرنج الذين في السفن ومن الروم الذين يحاربونهم من داخل. وأكلوا الدوابّ والجلود واصول الشجر والورق. وسليمان بن عبد الملك مقيم بدابق ونزل الشتاء فلم يقدر ان يمدهم حتى مات لعشر بقين من صفر سنة تسع وتسعين. فرحل مسلمة عن القسطنطينية وانصرف وكانت خلافته اعني سليمان سنتين وثمانية أشهر. وكان بايع ابنه أيوب فمات قبله فاستخلف عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم. ولما احتضر سليمان قيل له: أوص.
قال:
ان بنيّ صبية صغار ... . أفلح من كانت له كبار.
(عمر بن عبد العزيز)
لما استخلف عمر بن عبد العزيز [1] وبويع له صعد المنبر وأمر بردّ المظالم ووضع اللعنة عن أهل البيت وكانوا يلعنونهم على المنابر وحضّ على