ابن ماهان فى جيش جرار لمنازلة المأمون وجنده والتقى به فى الرىّ طاهر بن الحسين، فقتله ومزّق جيشه تمزيقا. وشغب الحسين بن على بن عيسى بن ماهان على الأمين فخلعه وحبسه، غير أن بعض العسكر خلصوه، ونعجب إذ نراه يعفو عنه ويوليه قيادة جيشه ويوجهه إلى طاهر، ويلقاه، غير أنه سرعان ما يفر ويقتل فى فراره، كما يقتل قواد آخرون أرسل بهم الأمين. وفى هذه الأثناء تدخل مكة والمدينة فى طاعة المأمون، ويحاصر قائداه طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين بغداد لنحو خمسة عشر شهرا ويرميانها بالمجانيق فيكثر بها الحرق والهدم وتفضى الحياة فيها إلى هول هائل، فتنهب الأموال وتقترف المنكرات، ويحاول سهل بن سلامة الأنصارى وابن الدريوش أن يقمعا الفساد وشذوذ الدّعّار (?) ولكن أنّى لهما أن يدفعا ما تردّت فيه بغداد من أهوال الشر، والنيران تأخذها من كل جانب أياما طوالا والمساجد قد عطلت والصلاة قد أهملت. ويبكى الشعراء من أمثال الخريمى بغداد بكاء مرّا، وتسقط محلاتها محلة إثر محلة فى يد الجيوش المحاصرة، ولا يجد الأمين أخيرا مفرّا من الاستسلام، فيسلم نفسه لأعدائه، ويقتل فى طريقه لخمس بقين من المحرم سنة 198 ويصبح الأمر خالصا للمأمون، وما توافى سنة 201 حتى يعزل أخاه القاسم من ولاية العهد ويولى عليها مكانه على الرضا كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، وتثور عليه أسرته ببغداد، وتبايع عمه إبراهيم بن المهدى فيعزم على المسير إلى دار السلام، ويدخلها فى شهر ربيع الأول سنة 204، فيتوارى عمه إبراهيم مدة ويعفو عنه كما أسلفنا.

وعصر المأمون من أزهى عصور الدولة العباسية، فقد كان حر الفكر شغوفا بالمعرفة، ولم يكد يستقر فى بغداد حتى جعل من مجلسه ندوة علمية كبيرة يتحاور فيها ويتناظر الفقهاء والمتكلمون والعلماء من كل صنف، وجعله اتصاله بعلماء الكلام وفى مقدمتهم ثمامة بن أشرس النمرى وبشر بن غياث المريسى يعنى بالفلسفة وعلوم الأوائل حتى مهر فيهما، وقد استطاعا أن يجرّاه إلى الاعتزال وإلى القول بأن القرآن مخلوق، وأن من لا يقول بذلك يدخل فى عداد المشبّهة، وما توافى سنة 212 حتى يجعل المأمون من فكرة خلق القرآن عقيدة رسمية للدولة، ويكتب إلى الآفاق

طور بواسطة نورين ميديا © 2015