يكن جزعا تعصف به الخطوب الخطيرة، وكان رقيق الحسّ حتى لا يلوم المسئ على إساءته، وكانت الرأفة والرحمة ملء فؤاده، وكان يعرف كيف يرد كوارث الدهر الجبار. ولا يلبث أن يقول فى الرسول الكريم:
وهو أصل الوجود بلا مراء … وهو سرّ الحياة لكل حىّ
أتى بالملّة السمحاء يدعو … إلى الأخلاق والشّرع السّوىّ
وأقسم ما سحاب مكفهرّ … كأن بريقه قسمات مىّ (?)
يروّى الأرض من غور ونجد … بأجود من بنان الهاشمىّ
وما أسد له بالغاب زأر … يصمّ الأذن من فرط الدوىّ
بأشجع منه فى الهيجاء قلبا … إذا برقت شباة السّمهرىّ (?)
والشيخ عبد الله يستلهم فى البيت الأول فكرة الحقيقة المحمدية وأن الرسول صلّى الله عليه وسلم الأصل الأزلىّ للوجود قبل نشأته وكل حياة لموجود فى الكون مستمدة منه. ويصف الشاعر الدين الحنيف بأنه دين سمح وأن شرعه شرع سوىّ عادل لا إفراط فيه ولا تفريط، ويقسم أن السحاب المعتم لكثرة أمطاره وبريقه الذى يشبه قسمات وجه «مى» فى ضيائه، المروّى للأرض فى وديانها وأنجادها أو مرتفعاتها العالية ليس هذا السحاب أكرم من بنان الرسول الفائضة بالجود، وليس الأسد الغضنفر الذى يزأر فى غابه زئيرا يصمّ دويه الأذن بأشجع من الرسول إذا حميت الحرب. وللشاعر مدحة نبوية دالية أنشد منها صاحب كتاب الشعراء فى السودان مقدمتها الغزلية وقوله فى وصف معجزة القرآن الخالدة:
مثانى حارت الشعراء فيها … وردّت كلّ جبّار عنيد
متى ما يتلها أحد بناد … يقول المنتدى هل من مزيد
والمثانى يريد بها آيات القرآن الكريم لأنها تعاد فى ألسنة حفاظها. ويقول إن الشعراء حارت فى روعتها البلاغية وبهت كل جبار معاند للرسول ورسالته، وحين يتلوها أحد بناد يشدّ إليها انتباه الناس ويطلبون المزيد منها لبلاغتها الرفيعة المعجزة.