طالما أرهقتهم بعسفها وظلمها وطالما احتكرتهم لمآربها وشهواتها مع الاستبداد بالشعب واستعباده ومع ما يعيش فيه الأمويون من ترف بالغ أفسد أداة الحكم إفسادا لا صلاح لها بعده إلا بمحوهم محوا. وبذلك وارى العباسيون أشخاصهم وقدموا القضية التى نصبوا أنفسهم للدفاع عنها، قضية نصرة الحكم الصالح ونصرة الحق والعدل على الباطل والظلم المتصل. ولكى يحكموا خطتهم كانوا لا يأخذون البيعة لأنفسهم بالخلافة، إنما يأخذونها لإمام رضا (?) من آل البيت النبوى، حتى لا يثيروا أبناء عمهم العلويين عليهم، بل حتى يجمعوهم تحت لوائهم. وكانوا يشيعون دائما أنهم نهضوا لهذا الأمر كى يثأروا للشهداء من أبناء فاطمة الزهراء.

وكان أبو سلمة الخلال الذى لقبوه بلقب «وزير آل محمد» يرى أن يختار للخلافة أحد أحفاد على بن أبى طالب، ومن أجل ذلك أخفى أمر أبى العباس وأهله حين نزلوا الكوفة وعزلهم عزلا تامّا عن جند خراسان، غير أن أبا العباس استطاع الاتصال بأبى مسلم إذ وجّه إليه من أطلعه على نوايا أبى سلمة، فأرسل إليه وفدا من زعماء الدعوة بخراسان سلموا عليه بالخلافة، واضطرّ أبو سلمة اضطرارا أن يعلن تأييده (?) له، واتّجه أبو العباس توّا إلى المسجد الجامع فى الكوفة، فبايعه الناس، وارتقى المنبر، فاشرأبّت إليه الأعناق وأصغت إليه الآذان، فإذا هو يحتج بآى القرآن الكريم على أن بيته العباسى أحق بالخلافة من بيت العلويين. وكان متوعكا فانقطع عن متابعة الكلام، وتابعه عمه داود متحدثا باسمه ومؤكدا فضل الخراسانيين فى تحرير الأمة من نير الأمويين (?)، ومن حكمهم الباغى الفاسد.

ولم يطمئن أبو العباس لمقامه فى الكوفة، دار العلويين من قديم، فتحول عنها إلى معسكر الخراسانيين، ثم فارقه إلى الحيرة وأخذ فى بناء الهاشمية لتكون مقر سلطانه، وأغرى أبا مسلم الخراسانى بأبى سلمة فدسّ إليه من قتله (?).

وكانت الجيوش قد اتجهت لمتابعة حرب مروان بن محمد بقيادة عبد الله بن على عم السفاح، فالتقت به على الزاب شمالى العراق، وهزمته هو وجيشه هزيمة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015