سادة بعد أن كانوا عبيدا مسترقيّن والناس يسمعون له ويحفّون به وينضمون إلى دعوته حتى كثف جمعهم وحتى غدا نزاله لنصر بن سيار والى الأمويين هناك قاب قوسين أو أدنى. غير أنه رأى أن يتمهل قليلا قبل أن يبدأ مغامرته الخطيرة متخذا لها من الأسباب ما يكفل النجاح المحقق، ولم يلبث أن عمد-بدهائه-إلى الإيقاع بين الكرمانى ومن معه من القبائل اليمنية وبين نصر بن سيار ومن معه من القبائل المضرية، واشتعلت الحروب بين الفئتين، وسفك فيها كثير من الدماء.

حتى إذا وهنت قوة نصر أعلن أبو مسلم الثورة عليه وعلى من وراءه من الأمويين، وأخذت رايات العباسيين السوداء تخفق فوق جنوده، وحواضر خراسان تسقط-واحدة إثر أخرى-فى يده. ويستصرخ نصر بن سيار مروان بن محمد وابن هبيرة واليه على العراق أن يمداه بالنجدات، ولكنهما كانا فى شغل عنه بثورات الخوارج فى العراق وغير العراق، ويموت كمدا بين الرى وهمذان. وتتقدم جيوش أبى مسلم بقيادة قحطبة وابنه الحسن مستخلصة المدن والحصون مدينة مدينة وحصنا حصنا، وما تلبث أن تقتحم العراق ويسرع ابن هبيرة للقائها عبر الفرات، ويحاول قحطبة أن يتجنبه متجها إلى الكوفة، ثم يلتقى به فتدور عليه-كما دارت على نصر بن سيار من قبله-الدوائر، فينحاز بجيشه إلى واسط. ويقتل قحطبة فى ظروف غامضة، ويتولى القيادة بعده ابنه الحسن ويدخل الكوفة دون أن يلقى أى مقاومة، وحينئذ تبرز إلى النور حكومة بنى العباس السرية وعلى رأسها أبو سلمة الخلال.

وكان مروان بن محمد قد قبض-قبل دخول الحسن بن قحطبة الكوفة بوقت قصير-على إبراهيم بن محمد الإمام، إذ عرف أنه هو الذى يدبر هذه الثورة من مقره فى الحميمة، وعرف إبراهيم أنه قاتله، فعهد بالأمر من بعده إلى أخيه أبى العباس السفاح. وقتل إبراهيم، ونقلت الأنباء إلى أبى العباس دخول الحسن ابن قحطبة الكوفة، فخرج إليها فى أهله يتقدمهم أعمامه: داود وعيسى وصالح وعبد الله وإسماعيل وعبد الصمد، وأخوه أبو جعفر، وابن عمه عيسى بن موسى ابن محمد.

وظل العباسيون-طوال المدة السرية لدعوتهم-لا يذكرون للناس أنهم طلاّب خلافة، إنما يذكرون لهم أنهم يطلبون إسقاط الدولة الأموية الجائرة التى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015