نهر عطبرة رافد النيل، وعنى به أبوه، فحفظ القرآن الكريم، وبعد حفظه درس على شيوخ مختلفين علوم الفقه واللغة العربية. وفى سن العشرين رحل إلى القاهرة واختلف إلى حلقات شيوخ الأزهر ينهل منها ما شاء، حتى ثقف العلوم الدينية وعلوم العربية ثقافة جيدة، وعاد إلى موطنه وفيه عنى بتدريس الفقه والنحو وعلوم البلاغة، وتقلد منصب القضاء فى عهد الدعوة المهدية وأقرّته دولة الحكم الثنائى فى منصبه. وكان عالما جليلا وشاعرا مجيد، وأنشد له صاحب الشعراء فى السودان ثلاث مدائح نبوية، وفى إحداها يقول عن الرسول منوها به ومشيدا:
المنتقى المبعوث من بين الورى … للخلق طرّا إنسه أوجانه
لولاه ما كان الوجود ولم يكن … ملك ولا ملك ولا أعوانه
حتى ولم يك آدم كلاّ ولا … شيث ولا نوح ولا طوفانه
ونجا الخليل بجاهه من نار نم … رود لعمرى إذ جفا خلاّنه
وهو يصف الرسول بأنه المختار المبعوث لهداية الخلق جميعا من الإنس والجنّ، ويستضئ بشعاع ممن نوّهوا قبله بالحقيقة المحمدية وأن الرسول علة الوجود، فيقول لولاه ما كان الوجود ولا دول ولا ملوك ولا كان آدم ولا شيث ولا نوح وطوفانه. وبجاهه نجا إبراهيم الخليل من نار نمرود واستحالت بردا وسلاما. ويمضى فى القصيدة قائلا: بجاهه نجا كليم الله موسى من فرعون وهامانه، وباسمه دعا ذو النون ربه فى ظلمات البحار فاستجاب له، وبالمثل استجاب لأيوب وكشف عنه ما به من ضرّ، فهو سرّ الوجود الذى لولاه ما خرجت الدنيا من العدم، وهو مبدأ الأنبياء والرسل ومنتهاهم وكل ما حدث لهم من معجزات فبفضله الأزلى، ويقول الشيخ عمر فى نفس القصيدة:
جمعت خصال المرسلين له كما … جمع الذى فى كتبهم فرقانه
كم قد عفا عمّن أساء وكم هدى … من ضلّ عن طرق الهدى تبيانه
يمشى وبكنس داره ويخيط ثو … با قد عفا والصفح ذلك شأنه
يا من علا فوق الطباق ومن علا ال … رّسل الكرام هو المكين مكانه
يا سيد الثّقلين يا مجلى الصّدا … يا عين هذا الكون بل إنسانه
وهو يقول إن كل الخصال الفاضلة للرسل جمعت له كما جمع قرآنه كل ما فى الكتب السماوية قبله. ومن صفاته الكبرى العفو وكم هدى أناسا كانوا ضالين ببيانه الرائع، وإنه مثال للتواضع كما حكى كتّاب السيرة وقالوا إنه كان أحيانا يكنس داره ويخيط ثوبه، وكان دأبه الصفح والعفو والغفران، ويقول إنه علا فى معراجه فوق السموات السبع وعلا الرسل وسما فوقهم، إنه سيد الإنس من الجن، وإنه يجلو الصّدا وكل غشاوة، وهو عين الكون