بل إنسانه الذى به يبصر. وهذه المدحة أروع مدحه الثلاث، وهو فى المدحتين الأخريين يعنى ببيان معجزات الرسول التى ترددها كتب السيرة.
ولد فى جزيرة توتى المواجهة للخرطوم سنة 1309 هـ/1892 م لأبيه القاضى عبد الرحمن بن الأمين الضرير شيخ علماء السودان وكان شاعرا مجيدا ومرت بنا مدحة نبوية بديعة له، وعنى به أبوه، فوجهه لحفظ القرآن الكريم وأتمه سنة 1321 هـ/1903 م ولزم أباه فى تنقّله قاضيا شرعيا بأبى حمد ودنقلة والقطينة، وكان أهم أساتذته إذ درس عليه العربية والفقه وعلم التوحيد أو الكلام. والتحق بكلية غوردون سنة 1323 هـ/1906 م بقسم المعلمين والقضاة. وتخرج فيه سنة 1328 هـ/1911 م وعيّن مدرسا للغة العربية بالمدارس الثانوية فى وزارة المعارف السودانية. وتفتحت ملكته الشعرية مبكرة وما هى إلا سنوات حتى اشتهر، ومن فرائده نونية فى وصف الطبيعة السودانية استهلها بقوله:
كم للطبيعة فى السودان من فتن … وكم لأطيارها من سحر ألحان
وقد نظمها سنة 1934 بعد هذا العصر الذى نؤرخ له، وهو أحد ثلاثة أفذاد من الشعراء السودانيين تعاصروا فى النصف الأول من القرن العشرين، وكانت لهم شهره مدوية فى عالم الشعر السودانى هو ومحمد سعيد العباسى وعبد الله البناء، ولهم جميعا شعر وطنى واجتماعى كثير، وكل منهم خليق بدراسة مستقلة. ويقول صاحب كتاب شعراء السودان: «له فى المدائح النبوية الباع الطويل والقدح المعلى» وأنشد له نبوية ألقاها سنة 1341 هـ/1923 م فى حفل المولد النبوى، وفيها يقول:
نبىّ كان للدنيا جمالا … وذخرا للعديم وللغنىّ
نبىّ قد يجير على الليالى … إذا ما جئن بالأمر الفرىّ (?)
لعمرك ما النبىّ-فدتك نفسى- … بمنطلق اللسان على البذي
ولا هلع تزعزعه خطوب … ولا مهدى الملامة للمسىّ
ولكن قد عرفناه رءوفا … يردّ عوادى الدهر العتىّ (?)
فالنبى صلّى الله عليه وسلم كان جمالا لا يماثله جمال وكنزا ماديا للفقير ومعنويا للغنى، وكان يجير على الليالى إذا ما جاءت بالخطوب الخطيرة، وكان عف اللسان حتى مع البذيء المذموم، ولم