وهو يتخذ الله عدة فى كل نائبة. وكلما نزلت به كارثة قال حسبى الله، ويخاطب نفسه إلى متى هو فى لعب ولهو منصرفا عن تقوى الله الذى يعلم كل ذنوبه إذ كتبها الملكان الرقيبان عليه، وكأنه يستحث نفسه على الرجوع إلى تقوى ربه والانصراف عن اللهو واللعب إلى النسك والعبادة. وتكثر عند المتصوفة فى عصر الفونج مثل هذه المعارضات لقصائد النساك، وقد عارضوا ابن الفارض المصرى فى بعض قصائده الصوفية، من ذلك معارضة الشيخ الصوفى موسى لتائيته المشهورة قائلا (?):

سلام على قوم إذا ذكر اسمهم … تهتّك أستار إليهم برجفة

تلألأت الأنوار من نحو خالقى … بوقت قيامى أو جلوسى بخلوة

وهى لا تلحق تائية ابن الفارض فى روعة الصياغة والمعانى الصوفية، ولكنها على كل حال تدل على نزعة صوفية قوية عند الشيخ موسى وإن لم يغمسها فى نور الشهود والفناء فى الذات العلية مثل ابن الفارض. واستمر تشطير الأبيات لأئمة الصوفية طويلا، من ذلك ما أنشده صاحب كتاب الشعراء فى السودان من تشطير على الشامى السودانى لبعض أبيات لابن الفارض، منها قوله:

(إن كان منزلتى فى الحب عندكم) … نحول جسمى وآلامى وإيلامى

أو أن يكون جزا روحى التى زهقت … (ما قد رأيت فقد ضيّعت أيامى)

(أمنية ظفرت روحى بها زمنا) … حتى تركت مقامى بين أقوامى

كانت بأيام صفو إذ حلت فخلت … (واليوم أحسبها أضغاث أحلام)

وهو يقول إن كانت منزلتى فى الحب الإلهى لا تزيد عن نحول وآلام متصلة، أو يكون هكذا جزاء روحى التى بلغت الحلقوم فقد ضيعت أيامى. وإنها لأمنية فازت بها روحى زمنا حتى نسيت قومى، وهو زمن كانت أيامه أيام صفو وهناءة، أياما حلوة مضت واليوم أحسبها أضغاث أحلام. ويقول الشيخ محمد سعيد العباسى متبتلا لربه (?):

يا ربّ أنت حمايتى فتولّنى … يا ربّ أنت من النّوائب مفزعى

جد لى-وزيّن ظاهرى-بعوارف … وبباطنى نور المعارف أودع

واقبل شكاية فاقتى وتطلّبى … لنداك وارحم ذلّتى وتوجعى

أنا عبد سوء أوثقته ذنوبه … أنا لائذ بحمى الرّحاب الأوسع

إن لم تكن لى من ذنوب أثقلت … ظهرى فما أقوى، وأفقر مرتعى (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015