الجيلانى المتوفى سنة 561 هـ/1165 م والشاذلية لأبى الحسن الشاذلى التونسى المتوفى بمصر سنة 656 هـ/1258 م ويقال-كما أسلفنا-إن الذى أدخل الطريقة القادرية إلى السودان الشيخ تاج الدين البهارى البغدادى. إذ نزل السودان فى النصف الثانى من القرن العاشر الهجرى ودعا إلى تلك الطريقة وكثر أتباعه، وشاعت بجانب الطريقة الصوفية القادرية الطريقة الشاذلية، ويبدو أنها سبقت الطريقة القادرية فى النزول بالسودان عن طريق بعض المغاربة النازلين فيه وطريق برنو وأيضا عن طريق مصر لأنها كانت شائعة بها شيوعا شديدا، وألفت أسرة المجاذيب لها فرعا مهما فى مدينة الدامر. ويخيل إلى الإنسان أنه لم يكن فى السودان أحد طوال عصر الفونج إلا ينتسب إلى إحدى الطريقتين. وقد أفضنا فى الحديث عن تلك الطريقتين فى صدر عرضنا للمجتمع السودانى. وأيضا عن اتساع النزعة الصوفية فيه، وقد دعا شعراؤهم دعوة واسعة إلى الزهد والتقشف ورفض متاع الدنيا انتظارا لمتاع الآخرة، ويقول الشيخ فرح تكتوك المار ذكره والمتوفى بعصر الفونج كما أسلفنا (?):
كم دودة فى عميق الأرض فى جحر … يأتى لها رزقها فى الوقت والحين
ألا الزم العلم والتّقوى وما نتجت … من الثمار تفز بالخرّد العين
من باع دينا بدنيا واستعزّ بها … كأنما باع فردوسا بسجّين (?)
ولقمة من طعام البرّ تشبعنى … وجرعة من قليل الماء تروينى
وقطعة من قليل الثوب تسترنى … إن متّ تكفننى أو عشت تكسونى
فالله يرزق كل خلقه حتى الدود فى أعماق الأرض فلا تحمل هما لجلب رزق والزم التقوى وعبادة ربك تظفر فى الآخرة بالحور جميلات العيون، وما أشقى من يبيع متاع الآخرة بمتاع الدنيا إنه يبيع فردوسا بواد من وديان جهنم وما متاع الدنيا؟ إن لقمة من خبز القمح تشبع الشاعر وترويه جرعة من قليل الماء، وتكفيه قطعة من قماش تستر جسمه، إن مات كفنته، وإن عاش كسته. ومرّ بنا فى كتاب الأندلس أن للزاهد أبى إسحاق الإلبيريّ قصيدة ختم أبياتها بلفظ الجلالة. ويبدو أن صوفيا سودانيا رأى أن يحاكيه فى هذا الصنيع، فنظم مقطوعة ختمها بلفظ الجلالة أنشدها ودّ ضيف الله فى طبقاته من مثل قوله (?):
الله لى عدّة فى كل نائبة … أقول فى كل حال حسبى الله
إلى متى أنت فى لهو وفى لعب … فما مقالك فيما يعلم الله
إن الذنوب التى قدمتها كتبت … إن كنت ناسيها لم ينسها الله