أحبّتى ودعاء الحبّ مرحمة … لا يحزننّكم بالنّصح تلقينى
ترضون بالدّون والعلياء تقسم لا … تدين يوما لراضى النفس بالدون
والمجد ينأى فلا تدنو مراكبه … من الجبان ولا ينقاد بالهون (?)
تفرق وتوان واتباع هوى … إن الهوى لهوان غير مأمون
ولا اعتبار ولا رقبى لنازلة … ولا احتياط ولا رحمى لمغبون
وهو ينادى قومه قبل تقديم النقد العنيف لهم بقوله: «أحبتى» تلطفا وجذبا لهم كى يستمعوا إلى نقده لهم ونصحه ويصدروا عنه، ويقول لهم إنه قول غليظ ولكن باطنه الرحمة ويسجل عليهم أنهم يرضون بالدون، والعلياء لا تخضع لمن يرضى به، والمجد يبعد عنه إذ لا تقرب مراكبه من الجبان ولا ممن يرضى بالهون والهوان، وهل شأنكم إلا تفرق وتشتت وتوان، والرجوع إلى الهوى فى حياتكم، وما الهوى إلا ذل ما بعده ذل، ولا اعتبار ولا عظة ولا مراقبة لنازلة نزلت بكم، ولا احتياط ولا حذر، ولا رحمة لمغبون أو ضعيف واهن. ويهتف بأمته:
يا أمة جهلت طرق العلاء فلم … تسبق لغاية معقول ومخزون
وللمدارس هجران وسخرية … وللمتاجر ضعف غير موزون
وللمفاسد إسراع وتلبية … ولا التفات لمفروض ومسنون
والناس فى القطر أشياء ملفّقة … فإن تكشّف فعن ضعف وتوهين
فمن غنىّ فقير فى مروءته … ومن قوىّ بضعف النفس مرهون
ومن طليق حبيس الرأى منقبض … فاعجب لمنطلق فى الأرض مسجون
وهو يقول لأمته إنك جهلت طرق العلاء والشرف، فلم تجر فيها للوصول إلى غاية معقولة أو مخزونه تنتظرك، وإنك لتهجرين المدارس بل تسخرين منها، ولا تهتمين بمزاولة التجارة، فالمتاجر ضعيفة ضعفا شديدا، وتسرعين إلى المفاسد، بل ما أشد تلبيتك لها، دون أى التفات لواجباتك الدينية وما عليك من الفروض والنوافل. ويبلغ بالشاعر السخط أن يسمى أهل السودان أشياء ملفقة، وكلما تكشف جانب منها ظهر فيه الوهن والضعف، وهل بها إلا غنى فقير أشد الفقر فى مروءته فلا يمد يدا إلى البؤساء وإلا قوى ضعيف النفس ذليل مهين، وحتى الحر الطليق يحبس رأيه عن أمته، وكأنه ليس حرا طليقا بل سجينا مكبلا بالأغلال. ويكثر مثل هذا النقد يوجهه الشيخ عبد الله البناء إلى قومه السودانيين معبرا عن نفسه السودانية الطامحة إلى أن تأخذ أمته السودانية مكانتها فى العالمين. وهو مهما قرّع وصوّر من عيوب المجتمع السودانى إنما يريد أن يستثير حمية السودانيين لكى يتحدوا ويطلبوا كل ما تطلبه النفوس