الحياء عن طلبه من الناس. ونتوقف لنترجم للشيخ عبد الله البناء أحد شعراء النقد العنيف لأمته، ولصالح عبد القادر المشارك فى النقد العنيف والشكوى من الزمن.
هو نجل الشاعر الشيخ محمد عمر البناء المترجم له بين شعراء المديح، رزق به سنة 1308 هـ/1891 م وحفظ القرآن الكريم فى بيته، ثم انتظم فى مدرسة رفاعة الأولية، وتخرج فيها فالتحق بقسم المعلمين فى كلية غردون وتخرج فيه سنة 1912 واشتغل مدرسا بالكلية فترة ثم عمل فى مدرسة أم درمان. ويقول الأستاذ على الملك محقق ديوانه: «آخر عهده أنه كان رئيس شعبة اللغة العربية فى المدارس العليا». وقد تفتحت ملكته الشعرية مبكرة، وسرعان ما تألق اسمه مع علمين فى الشعر هما محمد سعيد العباسى وعبد الله عبد الرحمن وهم شعراء أفذاذ وتسنّم الثلاثة ذروة الشعر السودانى فى النصف الأول من القرن الحالى، ولكل منهم ديوان منشور يدل على شاعرية فذة. وكما تقيدنا فى الشاعر الشيخ محمد سعيد العباسى بما نشر من شعره قبل نهاية هذا العصر الذى نؤرخ له حتى سنة 1924 للميلاد كذلك سنصنع بالشيخ عبد الله البناء مع أن له فرائد كثيرة مثل زميليه بعد هذا العصر. ومن أروع ما أنشده له صاحب شعراء السودان ومحمد عبد الرحيم فى كتابه نفئات اليراع قصيدته (?) فى ذكرى الهجرة النبوية التى دوّت شهرتها، وهى فى مخاطبة الهلال الذى أهلّ ليلة رأس السنة الهجرية، وله يقول:
يا ذا الهلال عن الدنيا أو الدين … حدّث فإن حديثا منك يشفينى
خبّر عن الأعصر الأولى لتضحكنى … فإن أخبار هذا العصر تبكينى
وهو يسأل الهلال أن يحدثه عن الدين أو الدنيا حتى يشفى نفسه من آلامها إزاء السودان وشعبه وأحواله، وحتى يدخل السرور على نفسه المكلومة الباكية من أخبار السودان وأبنائه. ويرفع أمام أبصار السودانيين سيرة الرسول صلّى الله عليه وسلم وعمر الفاروق ودمشق وبغداد وخلفائهما الذين أتاحوا للإسلام والعروبة مجدا عظيما، لعل شيئا من سيرتهم يعود، ويظهر من يحقق للأمة السودانية أو للأمة العربية عامة شيئا من هذا المجد، ويتجه بالخطاب إلى الشعب السودانى منشدا: