الاستعباد، وكم من ممالك حدث بين أهلها الشقاق فوقعت فى شر أعمالها، ولذلك تعمل جميع الشعوب على الاتحاد الدائم بين أبنائها، بينما نحن ننقسم ونتفرق. ولقد سئمت تقديم نصحى لأمتى إذ أراه غير مؤثر، وكأنى أنصح وأعاتب قوما نياما. ويقول شاكيا من الزمن وهمومه وتناوبها له همّا من وراءهم (?):
ألف الهموم برغم وألفنه … فغدا بواد والسّرور بوادى
لا تستقرّ ركابه فى بلدة … حتى ينادى بالرحيل منادى
وكأننى كرة ودهرى لاعب … يرمى بها الحدثان باستبداد
ليصيبها بى بل بها ليصيبنى … والدهر أرمى لاعب ومعاد
لكنه مهما ارتقى لا يرتقى … لينال من صبرى بذا الإسآد (?)
إن شاب رأسى بالخطوب فلم يشب … عزمى الفتىّ ولا ذكىّ فؤادى
وكان الشيخ حسيب قد وظّف كاتبا فى المحاكم الشرعية، وكان رؤساؤه ينقلونه من محكمة إلى أخرى فى أنحاء السودان. وهو يقول إنه أصبح-منذ توظف-تربا للهموم يألفها وتألفه، وفارقه السرور، وكأنما غدا بواد والسرور بواد آخر. ويشكو من كثرة تنقلاته فى وظيفته، فلا يكاد يستقر فى بلدة حتى يؤمر بمبارحتها إلى بلدة أخرى، وكأنما أصبح كرة يلعب بها الزمان، ويرمى بالنوائب والأحداث ليصيبها بى، بل ليصيبنى بها، والدهر أرمى لاعب ومعاد، ولكنه مهما صنع ومهما رمانى ليلا أو نهارا فلن ينال من صبرى، وحتى لو شاب رأسى لما ينزل بى من خطوب فلن يشيب عزمى القوى ولا فؤادى الذكى. وله قصيدة يشكو فيها من مرتبه الضئيل ساخرا، وفيها يقول مخاطبا لمرتبه (?):
أمرتبى مالى أرا … ك قصرت عن نيل المراد
أشكوك أم أشكو إلي … ك نوازل المحن الشّداد
الجيب خال أبيض … وبياضه عين السّواد
إن رمت صبرا عزّنى … وأمضّنى طول السّهاد (?)
أو رمت قرضا ردّنى … عنه الحياء من العباد
أو هكذا حظّ الألى … طلبوا المعالى بالمداد
وهو يذكر لمرتبه أنه لا يكفيه لنيل المراد المطلوب، ولا يدرى أيشكوه أم يشكو إليه ما ينزل به من المحن الصعاب، فجيبه خال أبيض لبيس فيه أى نقود وهو بياض فى الظاهر لكنه فى حقيقته أشد من السواد، وإن طلبت صبرا عزنى ولم أستطعه، أو فكرت فى قرض ردّنى