تبيت على الهمّ الممضّ نفوسنا … وتمشى على جمر من الذل أضرما
ننام وملء العين همّ وحسرة … وأعيننا حزنا تفيض لنا دما
فيا ليت شعرى هل أرى النيل جاريا … طليقا كدمعى إذ يسيل معندما (?)
وهل سأرى يوما عن الغاب أسده … تذود إذا ما الليل فى الغاب أظلما
وهل يرتجى الإصلاح والشعب نائم … وهل يبلغ الآمال من كان نائما
ولم لا أرى ما بيننا غير صامت … وقد آن للأحجار أن تتكلّما
ونفس عبد الرحمن شوقى ونفوس أمثاله من أبناء وطنه تبيت مسهدة على هم مؤلم غاية الألم، وكأنما إذا مشت تمشى على جمر مشتعل من الذل، وإذا ناموا ينامون وعيونهم ملأى بالهموم والحسرات على وطنهم مكتظة حزنا لا بالدموع ولكن بدماء القلوب والأفئدة. ويتساءل هل سيرى أهل النيل طلقاء من الأسر، والنيل يجرى محملا بذهب الطّمى الأحمر كعادته، وهل سيذود أسد الغاب عن عرينه الذى خيّم عليه الظلام. وغمره اليأس، فالشعب نائم، والنائم لا يبلغ أملا من آماله، ويعجب لصمت من حوله من أهل السودان بينما توشك الأحجار الخرساء على النطق بآمال الشعب وأمانيه. ويصرخ فى قصيدة ثانية (?):
مضى زمان وقلبى ممتل ألما … وفى فؤادى أسى كالنار مضطرما
حزنا على أمة بالنيل نائمة … تشكو الأوار وأخشى أن تموت ظما
فقد مر به زمان طويل وقلبه مكتظ بالألم وفؤاده ملئ بلواعج أسى مشتعل كالنار الحامية حزنا على أمته النائمة فى وديان النيل تشكو حرارة العطش ولهبه المتقد، ويشفق لها الشاعر شفقة حزينة إذ يخشى عليها من الموت ظمأ والماء مدّ أيديها وتحت أبصارها. ومثل هذا النقد العنيف كثير فى الشعر السودانى وسنترجم فيه للشيخ عبد الله محمد عمر البناء بعد قليل. ويقول الشيخ حسيب داعيا عناصر الأمة السودانية إلى وقف ما بينها من تناحر شديد (?):
الاتحاد هو الحياة وإنما … موت الشعوب تفرّق الأفراد
كم أمة نهضت به فتمتّعت … بحياتها من بعد ما استعباد
ولكم ترى من قوّة وممالك … نزل الشقاق بها لشرّ مهاد
تلك الشعوب تروم جمع شتاتها … وهنا نبيع الجمع بالآحاد
إنّي سئمت النّصح غير مؤثّر … وعتاب قوم فى سنات رقاد
وهو يدعو قومه السودانيين إلى الاتحاد، ويقول إن الشعوب لا تحيا بدونه إذ بدونه تفقد حياتها وتموت إلى الأبد، وكم من أمة نهضت بالاتحاد فاستمتعت بحياتها لتخلصها من نير