والهجران وقد تهدم منه ركن الصبر الجميل؟ . وإن قال لها ضارعا إنّي صادق الحب والوفا قالت له: مت فى هجرانى متيما بى عاشقا، وحار لأنه لم يجد خلاصا من شقائه بحبها ولا طريقا إلى وصالها، ويعود إلى نفسه قائلا: حسبى أن أحظى بطيف خيالها فى الحلم، ما دامت لا تسمح بوصلها كرما وعطفا على العاشق الولهان. وغزليات الشيخ أبى القاسم- كما رأينا-سلسة عذبة. وهى غزليات حب عذرى عفيف نقى سام، فى لغة سهلة وموسيقى وافرة حلوة.
2 -
أخذ الشباب السودانى الطامح فى الربع الأول من القرن الحاضر يشعر شعورا عميقا بالآلام التى تعيشها أمته وأثقالها، واقترن ذلك فى نفسه بيأس من أن تتحقق آماله، وبذلك اجتمع عليه الإحساس بمرارة حياته، والإحساس بمرارة حياة أمته، أما مرارة حياته فقد عبر عنها الشاعر السودانى بشكوى طويلة من الزمن، وأما مرارة حياة أمته فقد عبر عنها بنقد صارخ صوّر فيه قعودها عن المطالبة بحقوقها، وهو تارة يعرض على الشباب مجد آبائه الأولين لعله يحاكيهم ويسترد شيئا من مجدهم، وتارة ثانية يعرض عليه عيوبه الاجتماعية والأخلاقية كى يتخلّص منها ويسترد كرامته ومكانته الخليقة به، وممن يتردد على لسانهم اللونان من النقد والشكوى من الزمن محمود أنيس المولود سنة 1893 للميلاد، إذ ينشد فى حفل للمولد النبوى سنة 1340 هـ/1922 م قوله فى مدحة نبوية (?):
زرع الجفاء بنا وأثمر غرسه … فتنافر الأبناء والآباء
وتفاخرت بالموبقات صغارنا … وشيوخنا فهزا بنا الأعداء
وتسايلت منا النفوس حزينة … جرحى ونال جميعنا الإعياء
واها على الإسلام ماذا نابه … وهو الشفاء وما سواه شفاء
وهو يقول إن الجفاء غرس بيننا جميعا وتنافرنا حتى لقد تنافر الأبناء والآباء، وأعجب العجب أن يفاخر الشباب والشيوخ باقتراف المحرمات مما جعل الأعداء تهزأ بنا هزءا شديدا، وإننا ليشملنا حزن بالغ حتى لكأننا جرحى، بل لقد نالنا جميعا الإعياء، فوا حسرتا على الإسلام ماذا أصابه، وهو الشفاء والبلسم لكل النفوس. وعلى نفس هذه القيثارة يقول عبد الرحمن شوقى فى ذكرى الهجرة بالسنة التالية (?):