الفصل الرّابع
طوائف من الشعراء
1 -
مر بنا فى الجزء الخاص بالعصر الإسلامى أن الغزل حينئذ كان نوعين: نوعا ماديا صريحا ونوعا عذريا عفيفا، وشاع النوع الأول فى المدن التى تحضرت على لسان عمر بن أبى ربيعة وأضرابه، بينما شاع النوع الثانى فى بوادى نجد والحجاز وعلى لسان فقهاء المدينة من أمثال عبد الرحمن بن أبى عمار الجشمى. ولم يعرف السودان النوع الأول الصريح الذى يصور جمال المرأة المادى وحب الشاعر الحضرى وأحاسيسه وصدوره فيه أحيانا عن الغريزة النوعية، إنما عرف الغزل العذرى النقى الطاهر على لسان بعض شيوخه وألسنة شبابه، لأن حياتهم كانت تقوم دائما على الخلق الكريم ومثالية الإسلام السامية. ونسوق بعض أمثلة توضح ذلك، مع ملاحظة أن كثيرا من هذا الغزل كان ينظم فى فواتح قصائد المديح وغيره أسوة بالشعراء القدماء، على نحو ما نجد عند الشيخ عمر الأزهرى المتوفى سنة 1915 للميلاد فى افتتاحه لنبوياته كقوله فى مطلع إحداها (?):
باد هواه وزائد خفقانه … صبّ تفرّق بالنّوى أخدانه (?)
قد خانه حسن التصبّر بعد ما … بانوا ووفّت بالبكا أجفانه
عجبا لربع باللّوى لعبت به … أيدى النّوى فتفرّقت سكّانه
يا ظاعنا يطوى الفلا رفقا فإنّ … الرّكب ضلّ من السّرى وخدانه (?)
وقف المطىّ ولو كلمحة ناظر … فعسى المعنّى تنطفى نيرانه
وارحم محبّا صدره ضاقت به … أسراره وتزايدت أشجانه
وهو يذكر أن علامات الهوى من الشحوب والضّنا واضحة عليه وخفقان قلبه مفرط، إنه محب، شتّت النوى والبعاد أصدقاءه، ولم يعد يستطيع صبرا بعد نأيهم وفراقهم وقد انهمرت الدموع من أجفانه، ويعجب لعبث أيدى الفراق بسكان ربع باللّوى: ربع الحبيبة، ويهتف بالراحل مع ركبه يطوى الفيافى أن يرفق به فإن الركب ضل فى الليل بسيره السريع،