ولن ينفكّ الضنا عن مهجته، وكأنما تصلى أحشاؤها وتحترق على تنور مشتعل، ويأسف على المهدى ويقول إنه كان معصوما عن المحظور المحرم منذ صغره، ودمّر جيشه الجيوش التى لقيته. وينعته بأنه كان مجمعا لبحر الشريعة الطامى الزاخر وبحر الحقيقة الإلهية المملوء نسكا. ويمضى الشاعر فى مرثيته منشدا:

قد كان قوّام الدّجى متبتّلا … متواصل الإحسان غير فخور

طلق المحيّا خاشعا متواضعا … كهف الفقير وجابر المكسور

لا يبتغى جاها ولا مالا ولا … عزّ الملوك ولا ارتفاع الدور

تبكى المساجد والمحارب فقده … ومواطن الأذكار والتذكير

يا طيب أرض ضمّ جسمك تربها … تزرى بعرف المسك والكافور

وهو يصف المهدى بأنه كان قوّام الليل مصليا متبتلا لربه، مواصل الإحسان للفقراء والمساكين دون أى فخر أو منّ، طلق المحيا بشوشا خاشعا متواضعا، كهفا للفقير وملجأ وجابرا للمكسور، لا يفكر فى جاه ولا فى مال ولا فى عز الملوك وحياتهم المترفة ولا فى القصور المشيّدة، وبكته المساجد والمحارب وبقاع أذكاره وتذكيره، وما أطيب الأرض التى ضمت جسده، إن شذاها يزرى بشذا الطيب من المسك والكافور. ويبكى المهدىّ الشيخ محمد الطاهر المجذوب بمرثية يفتتحها بقوله (?):

دهتنا دواه يضرس القلب نابها … ويوقد فى الأحشاء نارا منابها (?)

غداة نعى الناعون مهديّنا الذى … به ملّة الإسلام جلّ مصابها

إمام الهدى المهدىّ أفضل من دعا … إلى الله مفتاح النجاة وبابها

ألا قد أصبنا إذ عدمنا حبيبنا … وضاقت بنا الأرض الوسيع رحابها

ليبك له الدين الحنيف وملّة … أبان هداها حين تمّ خرابها

والشيخ المجذوب يقول إنه نزلت بهم دواه يعض نابها القلب ويوقد منابها فى الأحشاء نارا غداة نعى الناعون المهدى الذى جلّ مصاب الدين الحنيف فيه، إنه إمام الهدى ومفتاح النجاة من النار وبابها، ولقد أصبنا فى حبيبنا وضاقت بنا الأرض الفسيحة الواسعة الرحاب، ألا فليبكه الإسلام وملة أوضح هداها بعد أن خربت خرابا لا آخر له. ويكثر رثاء الشعراء لآبائهم فى السودان، من ذلك قول القاضى أحمد المرضى المولود سنة 1884 للميلاد فى رثاء أبيه (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015