ويحمل مذهبيهما إلى مدينتى القيروان وتونس، ويساعد فى ازدهار الحركة العلمية-على مر العصور-جامع أو جامعة عقبة فى القيروان وجامع أو جامعة الزيتونة فى تونس وما أنشأ الحفصيون من مدارس ومكتبات. وتعنى إفريقية التونسية بعلوم الأوائل ويؤسس فيها الأمير إبراهيم بن أحمد الأغلبى (271 - 489 هـ) بيت الحكمة للعناية بتلك العلوم، وتشتهر القيروان بأطباء كبار كان لهم تأثير عظيم فى النهضة الغربية كما تشتهر بفلكى جزائرى كبير هو على بن أبى الرجال كان له تأثير قليل فى علم الفلك الأوربى. وتؤسس الدولة الصنهاجية مدرسة فى الكيمياء، وينبغ فى الدولة الحفصية كيميائى هو التيفاشى، ونلتقى فيها بأطباء ورياضيين متعددين وببعض الجغرافيين. ويكثر علماء اللغة والنحو فى العهد الصنهاجى من مثل القزاز والحصرى، ويضع ابن عصفور أسس مدرسة نحوية تونسية، ويقود ابن رشيق بكتابه «العمدة فى صناعة الشعر ونقده» حركة نقدية واسعة، ويشتهر فى القراءات ابن خيرون حامل قراءة ورش عن نافع إلى موطنه، ولا يلبث أن يظهر إمام كبير من أئمة القراءات هو مكى بن أبى طالب. ومن أوائل المفسرين عكرمة مولى ابن عباس ومن كبارهم فى القيروان على بن فضال وابن بزيزة ويكثر الحفاظ المحدثون ومن كبارهم القابسى فى القرن الرابع والمازرى فى القرن السادس، ويتعايش فى الفقه المذهبان: المالكى والحنفى وفقهاؤهما فى القرنين الثانى والثالث من أمثال سحنون المالكى وعبد الله بن فروخ الحنفى، ثم تصبح الغلبة للمذهب المالكى منذ أخذ المعز بن باديس الناس والفقهاء به، ويعود المذهب الحنفى إلى الظهور فى عهد العثمانيين، وتكون له الكلمة العليا فى الفتوى والقضاء. وكل ما كان موضعا للمناظرة والجدل من المذاهب الكلامية فى المشرق انتقل إلى المغرب سواء فى ذلك مذاهب الخوارج والمرجئة والمعتزلة، وأخذ المذهب الأشعرى يعم منذ القرن الخامس الهجرى. ونشطت الكتابات التاريخية فى القيروان عن مغازى إفريقية والدولة الأغلبية وأمرائها والدولة العبيدية وخلفائها وعن علماء إفريقية وتاريخهم وتاريخ المغرب وعن شعرائها وعمن كان بها من الزهاد وكبار العلماء وعن دولة بنى عبد الواد بتلمسان، ولابن خلدون تاريخه العظيم ومقدمته النفيسة، ويلقانا بعده كتاب الهنتاتى عن الدولة الحفصية وكتاب ابن أبى دينار: المؤنس فى أخبار إفريقيا وتونس، وكتاب السراج:
الحلل السندسية وكتاب حسين خوجه: ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان، وفيه ترجمات لفقهاء البلدان الكبيرة.
وعلى الرغم من أن اللغة البربرية ظلت تعايش لغتين متحضرتين هما الفينيقية واللاتينية فإنها لم تتحول قديما إلى لغة متحضرة لها أبجديتها وكتاباتها التاريخية، وكان من يتحضر من البربر أيام الفينيقيين يكتب بلغتهم، وبالمثل أيام الرومان، وكثيرون منهم كانوا يتقنون اللاتينية نطقا وكتابة، وظلت من ذلك بقية بعد الفتح، وسريعا أخذت البربرية لغة الشعب واللاتينية لغة بعض الخاصة تزايلان الألسنة وتحل محلها العربية حتى إذا كانت الهجرة الأعرابية الكبرى فى منتصف