الحفصيين، وحاصر لويس التاسع تونس، وقبر تحت أسوارها، ونهضت البلاد طوال ثلاثة قرون، وأغار عليها شارل الخامس ملك إسبانيا سنة 943 هـ‍/1536 م وخلصها من الإسبان الأسطول العثمانى سنة 981 هـ‍/1574 م وأصبحت تابعة للدولة العثمانية وتوالى عليها البايات، ومن خيرهم مراد باى وتوارثها أبناؤه وحسين بن على وبالمثل توارثتها أسرته حتى العصر الحديث.

ونزل إفريقية التونسية-بجانب سلالات البربر العريقة بها-عناصر جنسية كثيرة:

فينيقية وقرطاجنية ويهودية وزنجية ورومانية وألمانية من الواندال وبيزنطية وعربية ومن كان فى جيوش العرب من الشعوب الإسلامية ونزلتها عناصر أندلسية وتركية وأوربية مسيحية ممن كان يأسرهم القراصنة، ومع كل هذه العناصر ظلت للعنصر البربرى الغلبة، وظل يفرض عليها شخصيته وهويته. وتموج إفريقية التونسية-من قديم-بطيبات الرزق من الزروع وأشجار الزيتون والفاكهة والنخيل، وتموج مراعيها بقطعان الغنم والأبقار والخيل والإبل. وتكثر بها الصناعات اليدوية مثل عصر الزيتون ودبغ الجلود وصناعة الزجاج والبلور والخزف والمنسوجات على اختلاف أنواعها والورق وكل ما تحتاج إليه المنشآت العمرانية. وأهلتها هذه المنتجات الصناعية والزراعية وما كان يرد إليها من إفريقيا السوداء لتكون سوقا تجاريا عالميا.

وهيّأها كل ذلك لرفه واسع فى المطعم والملبس وما يتصل بذلك من كثرة الاحتفالات والأعياد والعناية بالموسيقى وآلات الطرب. وحظيت المرأة فى هذا المجتمع بمكانة كريمة.

وكان البربر قديما وثنيين، ونزلت بينهم جماعات من اليهود، وحاولت نشر دينها اليهودى فيهم واستجابت لها أقلية، واستولى الرومان على ديارهم وأخذوا يحاولون-كما حاولت كنيسة الإسكندرية-نشر الدين المسيحى بها وتأسست بعض الكنائس والأسقفيات، واعتنقه بعض البربر-وخاصة فى المدن الشمالية، وظلت فى العهود الإسلامية عناصر صقلية مسيحية تنزل بالبلاد، وعناصر أخرى ممن كان يأسرهم القراصنة من البحر المتوسط. والإسلام هو الدين السماوى الوحيد الذى عمّ-بعد الفتح-إفريقية التونسية وجميع البلدان المغربية لتحريره الشعوب من الظلم والاستعباد ولبساطته ومحوه الفوارق الطبقية بين أفراد الأمة. واختارت إفريقية التونسية مذهب مالك الفقهى السنى، وعاش بجانبه المذهب الحنفى حتى نهاية القرن الثالث الهجرى، وعاد إلى الظهور أيام العثمانيين. ولم تنجح فى إفريقية التونسية مبادئ الإباضيين ولا مبادئ العبيديين الإسماعيلية الشيعية، ومن قديم يتكاثر بها الزهاد وكثرت فيها-منذ القرن السابع-الطحق الصوفية.

ونشطت الحركة العلمية فى إفريقية التونسية منذ الفتح، وكان يقودها فى أول الأمر الفاتحون بنشرهم للدين الحنيف وتعاليمه، وما نكاد نقبل على القرن الثانى الهجرى حتى ينشأ جيل من أبناء البربر والعرب يطلب المزيد من العلم، ويرحل فى طلبه إلى المشرق للقاء أبى حنيفة ومالك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015