القدر وهل القرآن قديم أو حادث مخلوق، والتشبيه على الذات العلية. واشتد الجدال بين الفرق فى جامع عقبة واشتدت ضوضاؤهم مما اضطر سحنون حين ولى القضاء إلى تفريق حلقاتهم فيه وإبطالها، ومن كبار المتكلمين سعيد بن محمد المشهور بابن الحداد وله منازلات ضارية مع دعاة العبيديين الشيعة ودائما هو الغالب المنتصر. وشاع من قديم المذهب الكلامى الأشعرى، وكانت له الغلبة فى العصور التالية.

وازدهرت الكتابات التاريخية مبكرة فى القيروان عن مغازى إفريقيا وأخبارها وحروبها وعن الدولة الأغليية، وعنى بعض المؤرخين بتاريخ الدولة العبيدية وسيرة مؤسسها عبيد الله المهدى، وتكاثرت الكتابة عن علماء إفريقية التونسية كما يلقانا عند أبى العرب والخشنى، وللرقيق القيروانى كتاب فى تاريخ إفريقية والمغرب، ولابن رشيق كتاب نفيس فى تراجم الشعراء باسم أنموذج الزمان، وللمالكى رياض النفوس فى علماء إفريقية وزهادها، وللدباغ كتاب معالم الإيمان فى معرفة أهل القيروان وعليه تعليقات لابن ناجى، وللتجانى رحلة مشهورة تكتظ بالعلماء والأدباء فى البلاد التونسية، وليحيى بن خلدون كتاب فى تاريخ بنى عبد الواد بتلمسان، وتتوّج الكتابات التاريخية بتاريخ ابن خلدون ومقدمته النفيسة وما فيه من أخبار البربر. ويكتب ابن الهنتاتى عن تاريخ الدولة الحفصية وابن أبى دينار عن تاريخ إفريقية وتونس فى كتابه المؤنس ومحمد السراج عن الأخبار التونسية فى كتابه الحلل التونسية، ويترجم حسين خوجة-فى كتابه: ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان-لفقهاء البلدان الكبيرة فى حقبة من حقب العهد العثمانى.

وقد عايشت اللغة البربرية لغتين متحضرتين: الفينيقية واللاتينية قرونا طويلة ولم تتحول إلى لغة متحضرة لها أبجديتها الخاصة وكتبها التاريخية، وظل من يتحضر منهم أيام الفينيقيين يكتب بلغتهم، وبالمثل فى أيام الرومان. وكان كثيرون من البربر قبل الفتح العربى يحسن اللاتينية نطقا وكتابة، وظلت بعد الفتح بقايا من ذلك. ولكن سرعان ما أخذت البربرية لغة الشعب بعد الفتح واللاتينية لغة بعض الخاصة تزايلان الألسنة وتحل فيها محلهما العربية، وتظل البربرية حيّة فى جزيرة جربة وفى البوادى والجبال، حتى إذا كانت الهجرة الأعرابية الكبرى فى منتصف القرن الخامس الهجرى امتزج البربر والأعراب وكوّنوا شعبا عربيا مكتمل العروبة فى اللغة والدين والملبس والمطعم والأخلاق والعادات والأحزان والأفراح، وكان هؤلاء الأعراب من بنى هلال وسليم ينطقون عربية فصيحة، وظلوا ينطقون بها حتى القرن السابع الهجرى، وكانت تشيع بجانبها عامية فى ألسنة أهل المدن، وأخذ لسان هؤلاء الأعراب يتأثر بها مع طول السنين، ويقول ابن خلدون إنهم هجروا الإعراب لعصره فى القرن الثامن الهجرى ومع ذلك ظلت الفصحى لغة العلوم ولغة الأدب الرفيعة، وبث فيها المهاجرون الأندلسيون فى القرنين السابع والحادى عشر روحا وانتعاشا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015