إلا عنيت به إفريقية التونسية، ونبدأ بعلوم الأوائل فقد أسس لها إبراهيم بن أحمد الأغلبى فى عاصمته رقادة بجوار القيروان مدرسة كبرى باسم بيت الحكمة نبغ فيها أطباء عظام كان لهم ولتلاميذهم تأثير عظيم فى الغرب، وينبغ فى العهد الصنهاجى فلكى كبير كان له أثره فى علم الفلك الغربى، وتؤسس تلك الدولة مدرسة فى الكيمياء، ونلتقى فى عهد الدولة الحفصية بكيميائى كبير هو التيفاشى كما نلتقى بأطباء ورياضيين مختلفين وأيضا ببعض الجغرافيين، ويتكاثر اللغويون والنحويون فى العهد الصنهاجى ويلمع من بينهم عالمان لغويان كبيران هما القزاز وله معجم ومؤلفات لغوية كثيرة وعبد الدائم بن مرزوق حامل شعر أبى العلاء المعرى إلى القيروان والأندلس كما يلمع الحصرى بمختاراته الشعرية والنثرية فى كتابه زهر الآداب، ويضع ابن عصفور فى العهد الحفصى أسسا قويمة لمدرسة نحوية تونسية ويقود ابن رشيق بكتابه:
«العمدة فى صناعة الشعر ونقده» حركة نقدية وبلاغية واسعة لا في إفريقيا التونسية وحدها بل فى جميع المغرب. وكان علم القراءة للذكر الحكيم نشيطا إلى أقصى حد، ونقل ابن خيرون قراءة ورش المصرى عن نافع قارئ المدينة، وهى القراءة المنتشرة فى جميع بلدان المغرب إلى اليوم، ولم يلبث أن ظهر فى القراءات إمام كبير هو مكى بن أبى طالب، ومن أعلام القراء فى العهد الحفصى اللبيدى وابن بدال وفى العهد العثمانى باطاق. ومن أوائل المفسرين للذكر الحكيم عكرمة مولى ابن عباس ويحيى بن سلام، ومن كبار المفسرين فى العهد الصنهاجى على بن فضال وفى العهد الحفصى ابن بزيزة وفى العهد العثمانى محمد زيتونة. ويتكاثر المحدثون منذ القرن الثانى الهجرى، ومن أهمهم البهلول بن راشد، ومن كبار المحدثين القابسى فى القرن الرابع والمازرى فى القرن السادس ومحمد بن عمر الأبىّ فى القرن التاسع ومحمد بن برناز فى العهد العثمانى. ويتعايش فى الفقه المذهبان الحنفى والمالكى فى القرنين الثانى والثالث، ومن فقهاء المذهب الحنفى عبد الله بن فروخ ومن فقهاء المذهب المالكى على بن زياد حامل كتاب الموطأ عن مالك وسحنون المشهور صاحب المدوّنة التى حملها عن عبد الرحمن بن القاسم فى الفسطاط تلميذ مالك. ومن حملة المذهب الكبار فى القرن الرابع ابن أبى زيد. وكتب له أن يسود ويعم جميع بلدان المغرب منذ حمل المعز بن باديس الصنهاجى الفقهاء والناس عليه. ومن أهم فقهائه المازرى المذكور بين المحدثين وابن بزيزة المذكور بين المفسرين وتلميذه محمد بن عبد السلام أستاذ ابن خلدون وابن عرفة. ويجعل العثمانيون الفتوى بيد الفقهاء الأحناف ولهم الكلمة العليا فى القضاء واشتهر بينهم غير فقيه كما اشتهر غير قليل من فقهاء المالكية مثل محمد الحجّيج وله حاشيتان على مختصر خليل فى الفقه المالكى.
وكل ما كان يدور فى المشرق من جدل فى المذاهب الكلامية كان يدور مثله فى القيروان، وقد تجادلوا طويلا فى مذاهب الخوارج ومبادئ الإرجاء وما تجادل فيه المعتزلة مع غيرهم فى مسائل