له من صور تطور مختلفة إذ ظل يفرض هويته وشخصيته على كل ما وفد عليه من عناصر. وهيأ الإقليم التونسى دائما لسكانه رخاء واسعا قديما وحديثا من الزروع وأشجار الزيتون والنخيل من الفواكه والصناعات مثل صناعة الزجاج والبلور والخزف وعصر الزيت والمنسوجات والسجاجيد والوراقة وكل ما يلزم المنشآت العمرانية من فسيفساء وتفنن فى الزخرفة وضروب التجارات من منتوجاتها ومنتوجات ما يرد عليها من إفريقيا السوداء ومن أوربا إذ كانت سوقا عالميا ضخما. وأهّلها ذلك لرفه واسع فى الحياة وفى المطعم والملبس ولاحتفالات عظيمة بالأعياد ولاهتمام بالموسيقى والعزف على آلات الطرب والغناء فى الحضر وعند أهل الوبر. وحظيت المرأة فى المجتمع التونسى بمكانة كريمة جعلتها تستشعر كرامتها وشخصيتها إلى أقصى حد، كما جعلتها تستشعر حمايتها لوطنها حين تدلّهم به الخطوب، مع برهنتها على حصافتها وكياستها السياسية. وكان البربر-قديما-وثنيين ونزل بينهم يهود فى القرن الثالث قبل الميلاد والقرن الأول بعده، وحاولوا نشر ديانتهم فيهم ولم يتبعهم إلا القليل. واستولى على ديارهم الرومان وحاولوا-كما حاولت كنيسة الإسكندرية-نشر المسيحية بينهم، وبنيت بعض كنائس وأسقفيات، واعتنقها بعض البربر فى المدن الشمالية، وظلت عناصر مسيحية-فيما بعد- تنزل البلاد وخاصة من الصقالبة وممن كان يجلبهم القراصنة من البحر المتوسط. والإسلام هو الدين الوحيد الذى عم إفريقية التونسية بعد الفتح العربى بحيث أصبح دين الأمة التونسية -بل الأمة البربرية جميعا-لبساطته وتحريره الشعوب من الظلم والاستعباد ومحوه الفوارق الطبقية والاجتماعية بين أفراد الشعوب. وكانت إفريقية التونسية دائما سنية، واختارت مذهب مالك الفقهى وعاش بجانبه المذهب الحنفى حتى نهاية القرن الثالث، وعم مذهب مالك بعد ذلك حتى إذا كان العهد العثمانى عاد المذهب الحنفى معه إلى الظهور، ولم تنجح فى إفريقية التونسية دعوة الإباضية ولا دعوة العبيديين الشيعية، وكثر فيها الزهد والزهاد، كما كثرت الرباطات لحراسة البلاد على السواحل وظل النسّاك لا يبرحونها، وكثرت بأخرة الطرق الصوفية.
ومنذ القرن الأول الهجرى ينشر الفاتحون فى القطر التونسى تعاليم الإسلام وشريعته السمحة فى معاملة الأمم المفتوحة، بحيث يصبح من أسلم منهم على قدم المساواة مع العربى الفاتح، ويقبل البربر على اعتناق الإسلام، وينشأ جيل من مواليد إفريقية التونسية من البربر والعرب ينقضّ انقضاضا على حلقات العلماء فى المساجد ويأخذ كل ما لديهم، ويطلب نفر منه المزيد، فيرحل إلى المشرق للقاء الإمامين الكبيرين أبى حنيفة ومالك، ويحمل مذهبيهما إلى العاصمة: القيروان وإلى تونس. وتنمو فى القيروان حركة أدبية ولغوية. وساعد فى ازدهار الحركة العلمية بإفريقيا التونسية-على مر العصور-جامع أو جامعة عقبة فى القيروان وجامع أو جامعة الزيتونة فى تونس وما أنشئ-أيام الحفصيين-من مدارس ومكتبات. ولم يبق علم