بل كانوا يعمدون أيضا إلى ألفاظ غامضة مبهمة، حتى يتركوا فسحة لدى السامعين كى يؤوّل كل منهم ما يسمعه حسب فهمه وظروفه. ومن ثم دخل الرمز فى كثير من أقوالهم، إذ يومنون إلى ما يريدون إيماء، وقلما صرحوا أو وضّحوا، بل دائما يأتون المعانى من بعيد، بل قل إنهم كانوا لا يحبون أن يصوروا فى وضوح معنى، ويتخذوا له أشباحا واضحة من اللفظ تدل عليه، لأن ذلك يتعارض مع تنبئهم الذى يقوم على الإبهام والوهم واختيار الألفاظ التى تخدع السامع وجوها من الخدع، ومن ثم كان من أهم ما يميز أسجاعهم عدم وضوح الدلالة وأن يكثر فيها الاختلاف والتأويل.

وليس هذا كل ما يلاحظ على السجع الذى يضاف إليهم، فإنه يلاحظ عليه أيضا كثرة الأقسام والأيمان بالكواكب والنجوم والرياح والسحب والليل الداجى والصبح المنير والأشجار والبحار وكثير من الطير. وفى ذلك ما يدل على اعتقادهم فى هذه الأشياء وأن بها قوى وأرواحا خفية، ومن أجل ذلك يحلفون بها، ليؤكدوا كلامهم وليبلغوا ما يريدون من التأثير فى نفوس هؤلاء الوثنيين.

وهذا السجع الدينى كان يقابله، كما قدمنا، سجع آخر فى خطابتهم، بل فى كلامهم وأمثالهم التى دارت بينهم. ولعل فى ذلك كله ما يدل على أن الجاهليين عنوا بنثرهم كما عنوا بشعرهم، فقد ذهبوا يحاولون تحقيق قيم صوتية وتصويرية مختلفة فيه، تكفل له جمال الصياغة وروعة الأداء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015