بلدان وشعوب فى آسيا وأوربا وخاصة فى أنحائها الشرقية لاكتشاف المجهول من تلك الشعوب وما بديارهم من ظواهر كونية. وأيضا فإن تعدد مراكز الثقافة فى العالم العربى وفى الأندلس نفسها منذ عصر أمراء الطوائف حبّب الرحلة إلى المشغوفين بالعلم والعلماء، على نحو ما نجد فى عصرنا عند شبابنا العلميين من شغفهم بالرحلة إلى الغرب للتزود منه فى جميع ضروب العلم والمعرفة. ولا ننسى السفارات الخارجية التى كان يرسل بها حكام الأندلس وخاصة فى عصر أمراء الطوائف إلى إخوانهم من الأمراء فى الأندلس أو إلى نصارى الشمال أو إلى حكام إفريقيا ومصر والشام، وحتى فى أيام الأندلس الأخيرة إلى الدولة العثمانية. وكثرت الرحلات والسفارات الداخلية زمن أمراء الطوائف للتشاور فى أمر خطير من أمور السياسة والحكم كما كثرت رحلات حكام غرناطة والمغرب لتفقد شئون البلاد والرعية. ومن السفارات الداخلية سفارة الكاتب محمد (?) بن مسلم الدانى عن إقبال الدولة على بن مجاهد إلى بعض أمراء الطوائف من مثل المعتصم بن صمادح أمير المريّة والمعتضد أمير إشبيلية حين نازعه المقتدر بن هود (438 - 475 هـ‍) أمير سرقسطة فى أحد الحصون، فكتب إلى أغلب قائد ابن مجاهد وواليه على ميورقة يصف له أحداث سفارته فى رسالة طويلة سماها «طىّ المراحل» قال ابن بسام إنه اقتضب من فصولها لطولها ما يدل على براعة كاتبها، وبلغ ما اقتضبه منها نحو عشرين صحيفة. وفى فواتحها يتحدث محمد بن مسلم عن صداقته لأغلب وشوقه للقائه، ويذكر دعوة إقبال الدولة إخوانه من أمراء الطوائف لإنجاده، ونداءه عليهم لإمداده فاستغشوا بأكمامهم وجعلوا أصابعهم فى آذانهم. ويقتطف ابن بسام من رسالته قطعا بديعة فى وصف الطبيعة، وأخرى فى وصف ما كان ينغمس فيه أمراء الطوائف من ترف بالغ، إذ بنوا-من عرق الرعية-القصور المشيدة، وألحقوا بها حدائق بهيجة، ويصور كيف كان يطاف عليهم بصحاف من فضة وذهب، وحين يتوضئون تجيئهم طساس (?) من التبر وأباريق رصّعت بالدر. وللشراب حجر خاصة وكأن الأطباق فيها مقل الجفون ملئت من قرّة العيون وكأن الكئوس مراشف الحور تمزج بحباب الثغور.

ومن تصويره لقرطبة حين مرّ بها ورأى ما نزل بها من الدمار والذل والهوان قوله:

«كثيرا ما كنت أقترح إتيانها وإن كانت على هرم، وأتمنىّ وقفة فيها ولو على قدم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015