الإسحار (?). ثم أخذ فى الانصباب إلى أرض ذات أشجار وأنهار، ورياض مونقة وأزهار، فخبّرنا أنها من أرياف النيل وشطوطه، ومجاريه وخطوطه، فحمدنا الله على نعمائه، وتقلّبنا بين أرضه وسمائه».
ولا يلبث الشيخ أبو حبيب أن يعظ الناس ويرفدوه بالصّلات الحفيّة، والهبات الخفيّة وهو دائما يضمنّ مقاماته مواعظ خلقية وينهى المقامة بشعر، وقد يكثر منه فى تضاعيفها.
ويعود السرقسطى فى المقامة السابعة والأربعين إلى الحديث عن رحلة فى جزائر الهند لبطل مقاماته وراويته، غير أن الراوى لا يفضى فيها إلى وصف تلك الجزائر ولا إلى شئ من العجائب البحرية هناك إذ شغل عن ذلك بقضاء ليلة ماجنة مع البطل فى مجلس غناء. وكأنما كان السرقسطى مطلعا على شئ من الغيب، إذ جعل البطل فى المقامة الحادية والأربعين يتعيّش من دبّ يراقصه ويزمر عليه ويلاعبه، ومعروف أن رمز مدريد فى عصرنا إنما هو الدبّ. وفى الحق أن المقامات اللزومية للسرقسطى أروع المقامات الأندلسية التى حاكت مقامات الحريرى بعده، وكانت حرية بأن يتجرد لها شارح مثل الشريشى مواطنه، وكأنما ينطبق عليه المثل: لا يطرب الزامر أهل بلده.
وحرى بنا أن نعرف أنه كان للمقامات تأثير واضح فى الأدب الإسبانى إذ نشأ على غرارها فى منتصف القرن السادس عشر الميلادى لون من الفن القصصى ازدهر خلال القرن التالى يصف حياة المشرّدين والمتسوّلين ويقوم على الشحاذة أو الكدية، سمّيت أقاصيصه باسم «الأقاصيص البيكارسية» وسمّى بطلها باسم «البيكارو» ودائما نشأته متواضعة ويعانى من آلام المسغبة والبطالة، فيتخذ التسوّل حرفة له يكسب بها قوته مستخدما فى ذلك حيلا وألاعيب شتى تماما كالشيخ أبى زيد السروجى فى مقامات الحريرى وكالشيخ أبى حبيب فى مقامات السرقسطى، مع صبغ كلامه مثلهما بصبغة وعظية خلقية (?).
لعل مسيرة قوافل الأندلسيين إلى مكة سنويا لأداء فريضة الحج وزيارة القبر النبوى الشريف هى التى جعلتهم يولعون بالرحلة والأسفار فى العالم الإسلامى وما وراءه من