العنقاء أنثى الرّخّ، وهما طائران خرافيان ضخمان يتردد ذكرهما فى أحاديث بحّارة العرب عن رحلاتهم فى أعماق البحار والمحيطات مبالغين فى وصف ضخامتهما وقوتهما الخارقة وحملهما لمن تحطمت سفنهم إلى البرّ والبلاد المأهولة، على نحو ما نقرأ عند الرّبّان بزرك بن شهريار من بحّارة القرن الرابع الهجرى فى كتابه: «عجائب الهند: برّه وبحره وجزائره» إذ يقول إن الرّخّ أنقذ سبعة غرقت سفينتهم فى جزيرة بقرب الهند ويروى عن بعض الملاحين أنه رأى ريشة من ريشه تسع خمسا وعشرين قربة من قرب الماء! كما يذكر أن بحارة وقع فى سفينتهم عيب اضطرهم أن يقدموا بها إلى جزيرة صغيرة رأوها فى طريقهم، فنزلوا بها وأصلحوا عيب سفينتهم وعنّ لهم أن يوقدوا نارا لبعض أغراضهم، فأحسوا الجزيرة تتحرك من تحتهم، فأسرعوا بالنزول إلى سفينتهم، وتولتهم الدهشة، إذ رأوا الجزيرة تغوص فى الماء وعرفوا أنها سلحفاة كانت طافية على وجه الماء وأحست النار فغاصت. وإنما ذكرت هذه السلحفاة الضخمة الخرافية والرخ الخرافى قبلها لأن من يقرأ مقامة السرقسطى العنقاوية لا يشك فى أنه قرأ كتاب بزرك بن شهريار، وأنه استمدّ منه حين جعل بطل مقامته وراويته يلجّجان فى رحلة بحرية، «ويخرجان إلى جزيرة عريضة وأرض أريضة (?)، ولا ألباب ولا أفكار، ولا عرفان ولا إنكار، إلى أن استيقظا من تلك الغمرات، وصحوا من تلك السّكرات، فعلما أن الجزيرة حيوان بحرى أصحر (?)، ثم أبحر، وشمس، ثم قمس (?) فى الماء وانغمس» والسرقسطى يشير بهذا الوصف للحيوان إلى أنه سلحفاة، فإنها حيوان بحرى برى إذا نزل إلى الماء قصدا للاستراحة من طول المقام فى البر طفا على وجهه. وما يلبث السرقسطى أن يقول إن بطل المقامة وراويته «أظلّتهما ظلّة ظليلة وسجابة بليلة». وتهبط السحابة إلى الأرض وإذا هى الرخ فرخ العنقاء، ويطيل السّرقسطى فى وصفه وكيف تعلقا بأطراف ريشه يقول السائب الراوى.
«ثم لما صدع الفجر ووضح، واخضلّ (?) النّدى ونضح، سار فى الهواء سيرا رفيقا (?)، وجعل السحاب يسايرنا رفيقا، تخفق تحتنا البروق، وتتطلع إلينا المغارب والشروق، إلى أن فارقتنا البحار، وعلمنا أنه الإصحار (?)، ولما يحن من ليلنا