وقد وضع السرقسطى مقاماته فى محاذاة مقامات الحريرى وعلى غرارها من اتخاذ بطل لها من أبطال الشحاذة الأدبية هو الشيخ أبو حبيب فى محاذاة بطل مقامات الحريرى: أبى زيد السروجى واتخذ له راوية هو السائب بن تمام فى محاذاة راوية مقامات الحريرى:
الحارث بن همام. وذكر مع السائب فى تسع مقامات راوية يحدث عنه هو المنذر بن حمام.
وجعل السرقسطى مقاماته خمسين بعدد مقامات الحريرى وبناها مثله على عرض حيل شحاذ أدبى كبير هو الشيخ أبو حبيب ويرقّمها مثله من المقامة الأولى إلى المقامة الخمسين، غير أنه يختلف عن الحريرى فى أنه لا يعطى لكل مقامة لقبا خاصا بها يميزها ما عدا أربع عشرة منها فقط هى التى ميزها بالألقاب. والشيخ أبو حبيب سدوسى من عمان وكثيرا ما يظهر فى ثياب خلقة وأسمال، منكّرا لشخصه على طريقة الحريرى. وهو دائما واعظ يزهد الناس فى الحياة ويحثهّم على عونه لما يرون من سوء حاله، ويلقون إليه بالدراهم والدنانير، أو يبذلون له المآكل والطعام، متخذا دائما حيلة أو موقفا، به يستدرّ عطفهم. وكثيرا ما يشترك معه فى الموقف أو الحيلة راويته السائب أو ابنه حبيب أو ابنته التى يتخذ منها جارية يبيعها ويأخذ ثمنها، ثم يتضح أنها حرّة، فيظفر بالثمن، وتردّ إليها حريتها، حيلة من حيله.
ومقامات السرقسطى مبنية على السجع مثل مقامات الحريرى، غير أنه اقتدى فيه بأبى العلاء المعرى فالتزم فى نسجه مالا يلزم من تعدد قوافى السجع أو نهاياته مشترطا على نفسه أن تكون من حرفين أو أكثر. ولا يكتفى بتصعيب الممرات إلى سجعاته فى بعض مقاماته، إذ نراه فى المقامة السادسة عشرة يشترط على نفسه أن تتوالى سجعاتها ثلاثية ولذلك سماها المثلثة مفتتحا لها بقوله: «أقمت فى غزنة (?)، فترشّفت من مائها أى مزنة، وتوطّأت من أكنافها كل سهلة وحزنة» وسمى تاليتها المرصّعة لأنه لم يكتف فى سجعاتها بالاتفاق فى حرف واحد بل التزم فيها حرفين أو أكثر كقوله فى مطلعها: «حننت إلى الوطن المحبوب، ونزعت إلى العطن (?) المشبوب، حيث مآرب الشباب وملاعب الأحباب» وسمى الثامنة عشرة المدبّجة، لأنه جعل الكلمات فى كل سجعتين تتقابل فى نهاياتها وتتعادل، على شاكلة قوله فى وعظها: «وسامك (?) السماء ورافعها، وماسك الدّماء ودافعها، إنك فى حبائل الرّزايا لمضطرب، ومن مناهل المنايا لمقترب». واشترط على نفسه فى المقامة الثانية والثلاثين أن يختتم كل سجعاتها بحرف الهمزة ولذلك سماها