ذخيرته بعض فصولها، وابن مالك يديرها على مديح المعتصم بن صمادح أمير المرية ويغرق فى مديحه إغراقا شديدا، ونراه يطيل فى وصف فتوحه وانتصاراته فى الحروب ووصف جيشه وأسلحته من الدروع والسيوف والرماح والخيل مظهرا فى هذا الوصف غير قليل من البراعة، ولا يزال ينثر عليه ثناءه من مثل قوله: «جدب وربيع معرق، وليل ونهار مشرق، فيه الصّاب والعسل والسّهل والجبل، ثالث القمرين وسراج الخافقين (?)، وعماد الثّقلين، المعتصم بالله ذو الرياستين». ويشكو للمعتصم عوز أهله وضيق ذات يده، وأنه لولا ما يقيّده من أفرخ كزغب القطا لتقدم فى صفوف جنده تارة محاربا وتارة خطيبا محمّسا أو مهادنا. وبذلك تنتهى المقامة، وهى أشبه بقصيدة مدح طويلة دبّجها فى المعتصم بن صمادح
وعلى هذا النحو نفتقد المقامة التى تقوم على الكدية والشّحاذة الأدبية فى عصر أمراء الطوائف، ويظهر الحريرى (446 - 516 هـ) ويؤلف مقاماته فى أواخر القرن الخامس وسرعان ما تدوّى شهرتها فى العالم العربى ويؤمّه الرواة من كل مكان يأخذونها عنه، وأمّه من الأندلس فى فواتح القرن السادس الهجرى أبو (?) القاسم عيسى بن جهور القرطبى وأحمد بن محمد بن خلف الشّاطبى وأبو الحجاج يوسف القضاعى البلنسىّ والحسن بن على البطليوسىّ، وجميعهم حملوا مقاماته إلى الأندلس وأخذها عنهم تلاميذ كثيرون ومضوا بدورهم يدرسونها لطلابهم، وأخذ نفر من دارسيها هناك يتجرّد لشرحها، منهم عبد (?) الله بن ميمون العبدرى القرطبى المتوفى سنة 567، ومنهم أبو العباس (?) أحمد الشريشى المتوفى سنة 619 وقد صنع لها ثلاثة شروح: كبير طبع بمصر مرارا فى جزئين، ثم أوسط وأصغر. ومعروف أن مقامات الحريرى تقوم-مثل مقامات بديع الزمان -على الطريقة الساسانية أو الشّحاذة الأدبية، وقد بلغ الحريرى بفنّها الذروة.
وإذا رجعنا إلى ما أثر من مقامات عند الأندلسيين بعد مدارستهم لمقامات الحريرى وجدنا المقامات تأخذ نهجين: نهجها المار فى القرن الخامس الهجرى القائم على الوصل بينها وبين أغراض الشعر من مديح وغيره وكذلك بينها وبين أغراض الرسائل من وصف بعض المشاهد والبلدان. ونهج جديد يستوحى الحريرى فى مقاماته الساسانية القائمة على