إلى ناحية، وجمع أطفاله فى زاوية». ويتحدث عن أثاث بيته حديثا فكها، ويقول إنه حاول أن يكرمهم فدعا صبيانه ليمسكوا بديك هرم، ويستغيث بهم الديك ويتشفّع-فى حوار طويل-بهرمه وأنه أصبح لضعفه ونحوله أشبه بالأدوية منه بالأغذية، ويرقّون له. ويقدّم إليهم البدوى بعض ألطافه معتذرا ويقبلون عذره ويرحلون سحرا عنه. وينزل مع صحبه قرية مسيحية سمعوا فيها صوت الناقوس وألموابدير راعهم ما فيه من شموس وأقمار ولا سيوف إلا من مقل ولا تروس إلا من خجل، فنزلوا فيه وشربوا من الدّنان ما أسكرهم ثم شدّوا الجياد عنه ركضا فمروا بكنيسة متهدمة ويبكى ابن الشهيد أطلالها وما كان فيها. ويفضى مع صحبه إلى مروج بها قطعان من السائمة، ويصيدون كثيرا من طير البرك، وينقش على مرمرة بيضاء مقطوعة شعرية يصوّر فيها البرك ومياهها وما صادوه من طيرها. ويستأنفون السّير ليلا، ويلقاهم شابّ فارس ممتطيا جوادا ومتقلّدا حساما، آبق من أهل حصن لنصارى مرّوا به، معلنا إليهم أنه عبد الصّليب وقرع الناقوس إلى أن أسعده الله بهداية الإسلام، ويشهد أن الله إله واحد، ليس له ولد ولا والد. وبذلك تنتهى المقامة وهى أشبه بنزهة متعددة المشاهد.

والمقامة الثانية عند ابن بسام مقامة أبى الوليد (?) محمد بن عبد العزيز المعلم أحد وزراء المعتضد أمير إشبيلية وكتّابه، وقد انتقى منها ابن بسام فصولا وأولها يستهله ابن المعلم بالحنين إلى ماض نعم فيه برفاهية العيش، ثم دار به الدهر من نعيم إلى شظف شديد، وما يلبث أن يقول إن البشير قرع بابه حاملا إليه كتابا من أمير، فلبّاه، حتى إذا مثل بين يديه أسمعه مدحة فيه ثم تلاها بنثر مفرط فى الثناء عليه من مثل قوله: «هو الإمام الطاهر، والكوكب الزّاهر، والأسد الخادر (?)، والبحر الزّاخر، أوهب الملوك للذخائر، وأعفاهم عن الجرائر. . أعطر من العنبر، فى كل منبر، وأفوح من المسك الذكىّ، فى كل ندىّ» ومضى فى مثل هذا الثناء حتى استطير الأمير فرحا، وازدهى مرحا، وقام إليه فقبّل بين عينيه. وبذلك تنتهى المقامة، وهى أشبه برسالة فى مديح أمير، وربما كتب بها إلى المعتضد أميره.

والمقامة الثالثة عند ابن بسام مقامة أبى محمد (?) بن مالك القرطبى، وقد ساق فى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015