الكدية والشحاذة الأدبية، ومن النهج الأول المقامة الدّوحيّة لمحمد (?) بن عياض الّلبلىّ المتوفى سنة 550 وموضوعها الغزل، وذكر ابن سعيد فى المغرب فاتحتها، والمقامة العياضية لمحارب (?) بن محمد بن محارب الوادى آشى المتوفى سنة 553 وهى فى مديح القاضى عياض، ومقامة فى هجاء بعض أعيان مالقة لعلى (?) بن جامع الأوسى، والمقامة النّخلية لأبى الحسن النباهى المالقى المتوفى بأخرة من القرن الثامن وهى مفاخرة بين النخلة والكرمة. وللسان الدين بن الخطيب مقامة فى السياسة، وهى أشبه برسالة أو مبحث فيما ينبغى أن يكون الحاكم عليه من نشر العدل فى رعيته وتعهد المجاهدين فى سبيل الله وأن لا يعوّلوا فى كسبهم إلا على مغانمهم كالجوارح لا تطعم إلا من صيدها وما يقع فى مخالبها، ويلمّ بسياسة العمال فى ولاياتهم وأن تقوم على الحق ودحض الباطل، وكل ذلك على لسان شيخ فارسى ناصح لهرون الرشيد ويوصيه بعمارة البلدان والتمسك بالشريعة.
والرسالة حرية بأن تقرن برسائل السياسة عند ابن المقفع. وللسان الدين غير مقامة فى وصف رحلات له فى بلدان الأندلس والمغرب الأقصى، وهى أشبه بالرحلات منها بالمقامات ولذلك سنتحدث عنها بين رحلات الأندلسيين. وحوالى منتصف القرن التاسع الهجرى يشتهر-فى أيام الأندلس الأخيرة-عمر الزّجّال، وقد روى له المقّرى مقامتين أولاهما مقدمة لقصيدة هزلية طويلة، وثانيتهما فى أمر الوباء الذى ألم بغرناطة زمن أميرها الغنى بالله، وهو فيها ينكر على قصر الحمراء بغرناطة إبقاءه فيه على السلطان مع تفشى الوباء، ويقول إنه ينبغى أن يتحول عنه إلى مالقة التى كانت تتبع حينئذ غرناطة.
ونترك هذه المقامات التى تستوحى مقامات عصر أمراء الطوائف الشبيهة بالرسائل الأدبية إلى مقامات الكدية والشحاذة الأدبية التى تستوحى الحريرى فى مقاماته أو أقاصيصه الساسانية التى رواها الحارث بن همّام عن بطلها أبى زيد السروجى. وأول ما يلقانا من ذلك المقامات اللزومية للسرقسطى، وهى خمسون مقامة، وسنخصها بحديث مستقل. وكان يعاصره الكاتب أبو عبد الله بن أبى الخصال الذى مرت ترجمته والمتوفى سنة 540 وله مقامة (?) ساسانية جعل بطلها نفس بطل مقامات الحريرى: أبا زيد السروجى، كما جعل الراوى لها نفس راوية تلك المقامات: الحارث بن همام. وتبدأ المقامة