4 - سجع الكهان

كانت فى الجاهلية طائفة تزعم أنها تطلع على الغيب وتعرف ما يأتى به الغد بما يلقى إليها توابعها من الجن، وكان واحدها يسمّى كاهنا كما يسمى تابعه الذى يوحى إليه باسم «الرّئىّ». وأكثرهم كان يخدم بيوت أصنامهم وأوثانهم، فكانت لهم قداسة دينية، وكانوا يلجأون إليهم فى كل شئونهم، وقد يتخذونهم حكاما فى خصوماتهم ومنافراتهم على نحو ما كان من منافرة هاشم ابن عبد مناف وأمية بن عبد شمس واحتكامهما إلى الكاهن الخزاعى، وقد نفّر هاشما على أمية (?). وكانوا يستشيرونهم ويصدرون عن آرائهم فى كثير من شئونهم كوفاء زوجة أو قتل رجل أو نحر ناقة (?)، أو قعود عن نصرة أحلاف (?)، أو نهوض لحرب، ففى أخبار بنى أسد أن حجرا أبا امرئ القيس رقّ لهم، فبعث فى إثرهم فأقبلوا حتى إذا كانوا على مسيرة يوم من تهامة تكّهن كاهنهم، وهو عوف بن ربيعة، فقال لبنى أسد: «يا عبادى! قالوا لبيك ربّنا، قال: من الملك الأصهب، الغلاّب غير المغلّب، فى الإبل كأنها الرّبرب (?)، لا يعلق رأسه الصّخب، هذا دمه ينثعب (?)، وهذا غدا أول من يسلب، قالوا: من هو يا ربّنا؟ قال: لولا أن تجيش نفس جاشية، لأخبرتكم أنه حجر ضاحية.

فركبوا كل صعب وذلول فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبّته» وقتلوه (?). وكثيرا ما كانوا ينذرون قبائلهم بوقوع غزو غير منتظر (?)، كما كانوا كثيرا ما يفسرون رؤاهم وأحلامهم (?).

فمنزلة كهّانهم فى الجاهلية كانت كبيرة، إذ كانوا يعتقدون أنه يوحى إليهم، ولعل ذلك ما جعل نفوذ الكاهن يتجاوز قبيلته إلى كثير من القبائل التى تجاورها،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015