الذى يبلغ به ما يريد من إصابة خصمه والنكاية به، يقول زهير بن أبى سلمى (?):

ومدره حرب حميها يتّقى به … شديد الرّجام باللسان وباليد

ونراهم يصفون خطباءهم بأنهم مصاقع ولسن، وافتخروا بذلك طويلا على نحو ما نجد عند قيس بن عاصم المنقرىّ يصف ما فيه وفى عشيرته بنى منقر من الخطابة والفصاحة (?):

إنى امرؤ لا يعترى خلقى … دنس يفنّده ولا أفن (?)

من «منقر» فى بيت مكرمة … والأصل ينبت حوله الغصن

خطباء حين يقوم قائلهم … بيض الوجوه مصاقع لسن

وقد حذروا طويلا من شدة وقع اللسان، وقالوا إن جرح اللسان كجرح اليد وإنه عضب وقاطع كالسيف، يقول طرفة (?):

بحسام سيفك أو لسانك وال‍ … كلم الأصيل كأرغب الكلم

ولعل مما يدل دلالة قاطعة على أنهم أحسوا بجمال ما يلفظ به خطباؤهم أننا نراهم يشبهون كلامهم بالثياب الموشّاة وبالحلل والدّيباج وأشباه ذلك، يقول أبو قردودة الطائى فى رثاء ابن عمّار خطيب مذحج وقد مات مقتولا (?):

ومنطق خرّق بالعواسل … لذّكوشى اليمنة المراحل (?)

ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل دلالة واضحة على أن الخطابة كانت مزدهرة فى الجاهلية، فقد كانوا على حظ كبير من الحرية، وكانوا يخطبون فى كل موقف:

فى المفاخرات وفى الدعوة إلى السلم أو الحرب وفى النصح والإرشاد وفى الصهر والزواج. وابتغوا دائما فى كلامهم أن يؤثر فى نفوس سامعيهم بما حققوا له من ضروب بيان وبلاغة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015