المرابطين لأواخر سنة 503 للهجرة يتخذه كاتبا له ووزيرا، حتى إذا توفى هذا الحاكم سنة 510 أكثر من مراثيه وتغنى بها فى ألحان مبكية كما يقول ابن سعيد، ولم يطب له فيها المقام بعده، فهاجر منها إلى المرية ثم إلى غرناطة، وظل بها فترة ثم رحل عنها إلى فاس عاصمة المرابطين فى المغرب، وقيل بل إلى جيان وانقطع للدرس والتأليف حتى وفاته سنة 533. وكان من أهم ما انقطع له الفلسفة المشائية وأستاذها أرسطو وتعمقها أدق تعمق حتى ليقول ابن أبى أصيبعة: إذا قارنت أقاويله فيها باقاويل ابن سينا بان لك الرجحان فى أقاويله، وقد عنى عناية واسعة بشرح كثير من أعمال أرسطو، فشرح كتابه السماع الطبيعى أو سمع الكيان، وجزءا من كتابه الكون والفساد، والمقالات الأخيرة من كتابه عن الحيوان، وجزءا من كتابه عن النبات. وشرح المنطق للفارابى والأدوية المفردة لجالينوس وأيضا لابن وافد. وله تصانيف فى الرياضيات والهندسة والفلك فاق فيها المتقدمين. وله فى الفلسفة كتاب فى البرهان وكتاب فى النفس وكتاب فى العقل الفعال إلى غير ذلك من كتب لم يبق منها إلا بعض رسائل وإلا كتابه تدبير المتوحد المنشور بمدريد وفيه يتخيل مدينة فاضلة مثالية لا يحتاج أهلها إلى طوائف الأطباء الثلاث: لا أطباء البدن لأن أهلها لا يرتكبون أى رذيلة تسبب لهم المرض، ولا أطباء العدالة لأن أهلها متحابون لا يقع بينهم ما يحتاجون معه إلى قضاة وقضاء، ولا أطباء النفوس لأن أهلها كاملون. ويفيض فى بيان الصور الروحية والعقلية وأن غاية المتدبر اتحاد عقله بالعقل العلوى الفعال حتى يبلغ مرتبة المعرفة العقلية الحقيقية، وبذلك وصل بين التأمل العقلى وبين عون علوى، محاولا الوصل بذلك بين الفلسفة والدين، وخلفه ابن طفيل وابن رشد (?)، فبلغا بالفلسفة الإسلامية فى موطنهما الغاية التى ليس وراءها غاية.
وابن طفيل (?) هو أبو بكر محمد بن عبد الملك-وقيل ابن عبد الله-القيسى، ولد سنة 506 للهجرة فى برشانة من أعمال المريّة، وقيل فى وادى آش من أعمال غرناطة، وقيل بل فى تاجلة من أعمال جيّان، وقد أكبّ على كتب الفلسفة والطب مبكرا، وخاصة كتب ابن باجة أكبر فيلسوف فى زمنه، وتبعه يشرح بعض كتب أرسطو مثل كتابه الآثار العلوية، كما تبعه يؤلف فى الفلسفة مثل كتاب له فى النفس، واشتغل بالطب فى غرناطة