أو بعبارة أدق على فتحها أنه سأل عنها وعرف كثيرا من أحوالها الجغرافية والسياسية وأن ليس بها جيش حقيقى يحميها، فتطلع للاستيلاء عليها ونشر الإسلام بها، وشاور فى ذلك الخليفة، وكان الوليد بن عبد الملك، وكان مثله شديد الطموح للفتوح وكانت جيوشه تتغلغل فى أقصى الشرق: فى أواسط آسيا وفى الهند، فشجع موسى، غير أنه أمره بالتمهل حتى يرسل حملات استكشافية، يتبين بها أين ينزل الجيش الفاتح وكيف يتحرك.

وندب موسى لهذه المهمة قائدا من قواده هو طريف فعبر-مع أربعمائة من الجند ومائة فارس-إلى الشاطئ الإيبيرى فى سنة 91 هـ‍/710 م ونزل فى موضع أقيمت به بلدة سميت باسمه، ولا تزال قائمة إلى اليوم، وقام طريف بعدة غارات تبين له منها أنه لا توجد بجنوبى إيبيريا وسائل دفاع تحميها. واستدار العام فرأى موسى أن يرسل حملة أكثر عددا بقيادة طارق بن زياد والى طنجة، فعبر فى سنة 92 هـ‍/711 م مضيق الزقاق بجيش عداده سبعة آلاف، وتجمعوا عند جبل سمّى فيما بعد إلى اليوم جبل طارق. ويقال إن عبور هذه الحملة للمضيق-مثل عبور سابقتها-إنما كان بسفن أعدّها يوليان، ويدحض ذلك أنه كان لموسى بن نصير والعرب حينئذ أسطول يحمى شواطئ إفريقيا من الأسطول البيزنطى وأقيمت له دار صناعة كبيرة بتونس، وما دام موسى قد عزم على فتح إيبيريا فلا بد أنه أمر أسطوله بالتوجه غربا ليعبر-بحملة طريف ثم بحملة طارق-مضيق الزقاق، أما قصة عبور الحملتين على سفن يوليان فلا يؤيدها منطق الأحداث، وهى-فى رأينا-تكملة لما نسجه الخيال الشعبى من سخط يوليان على لذريق بسبب اعتدائه المزعوم على ابنته. ومما يتصل بهذا القصص الأسطورى عن فتح الأندلس الخطبة البليغة التى أضيفت إلى طارق، وقيل إنه ألقاها على جنوده بعد عبورهم مباشرة مفتتحا لها بقوله: «أيها الناس! أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم فليس لكم والله إلا الصدق والصبر» والخطبة من روعة البيان بحيث يبعد أن ينشئها مغربى تعرّب حديثا مثل طارق، غير أنها شاعت بين الأندلسيين شيوعا أعدّ الخيال الشعبى ليضيف إليها أسطورة إحراق طارق للسفن التى جاز بها مع جنده إلى الشاطئ الإيبيرى، وهى لو صحت لكانت عملا طائشا، وهو عمل لا يمكن أن يقدم عليه أى قائد يقدر مسئولياته وتبعاته. ومما يؤكد أنها مختلقة ومن نسج الخيال الشعبى أنها لم ترو فى كتب التاريخ الأندلسى طوال خمسة قرون وأن أول من رواها الإدريسى الجغرافى المتوفى سنة 560 للهجرة فى كتابه نزهة المشتاق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015