وانحدر طارق بجيشه غربا مارّا برأس بارز على الزقاق، أقيمت به-فيما بعد- مدينة الجزيرة الخضراء، وتابع مسيرته على المحيط، وعلم أن لذريق يعدّ جيشا للقائه، فأرسل إلى موسى بن نصير يستمدّه، فأمدّه بخمسة آلاف بقيادة طريف، جازوا المضيق فى سفن عربية، ولم يلبث طارق أن التقى مع لذريق فى السهول المنبسطة شرقى قادس وهزمه هزيمة ساحقة، جعلت كثيرا من مدن إيبريا تفتح أبوابها لطارق وجنده، بينما فرّ لذريق إلى الشرق، وقتل على نهر شقورة. وأرسل طارق أحد قواده إلى قرطبة فاستولى عليها. وتمادى طارق فى الفتح حتى طليطلة عاصمة لذريق والقوط، فألقت له عن يد، وفرّ منها الأسقف والقساوسة يحملون مذبح كنيستها، ولحقت بهم كتيبة عربية عند بلدة صغيرة واستولت منهم على المذبح وذخائر كثيرة، وقيل لهم إنه مائدة سليمان، فسميت البلدة بعد ذلك باسم المائدة. وأخذت تشيع-منذ فتح طليطلة-أسطورة شعبية، مؤداها أنه كان بها بيت مطلسم عليه أقفال كثيرة أمر بفتحه لذريق، فوجده فارغا إلا من تابوت مغلق وجد فيه لفائف مدرجة رسمت فيها صور عرب مدججين بالسلاح وفى أعلاها كتابات بالعجمية تشير إلى أن أمة الرجال المصورين ستغلب على الأندلس حين تكسر أقفال هذا البيت، وواضح أنها أسطورة مختلقة ولا أساس لها من حقيقة.
ولما بلغ طارق طليطلة فى وسط إيبيريا رأى موسى بن نصير أن يسير إليه فى قوة كبيرة ليشد أزره ويثبّت فتحه ويمكّن له، وحين نزل بجنده الجزيرة الخضراء بنى بها مسجدا، وظل كلما دخل بلدة كبيرة أسس بها بيتا من بيوت الله، وكان قد استقدم معه مهندسا معماريا لبناء تلك البيوت أو المساجد، واتبع فى إيبيريا ما اتبعه فى المغرب من تكليف بعض الفقهاء الداخلين معه تعليم أهل إيبريا القرآن الكريم وفرائض الإسلام.
ومضى بجيشه غربا يتمم فتوح طارق واستولى على شذونة وإشبيلية وقرمونة وماردة ولقنت وانتهى إلى طليطلة، ويقول بعض المؤرخين خطأ إنه كان قد امتلأ غيظا وحقدا على طارق لما فتح الله على يديه من البلاد، وزعموا أنه حين لقيه-بدلا من تهنئته بانتصاراته-شدّ وثاقه وهمّ بقتله، وكل ذلك يخالف الأحداث، ولم يكن موسى من الطيش والحمق بأن يصنع ذلك بطارق الجدير بكل شكر وثناء. ويدل أقوى الدلالة على صحة ما نقول أن طارقا ظل الساعد الأيمن فى استكمال الفتح.
وأقام موسى مع طارق فى طليطلة طوال الشتاء فى سنتى 94، 95 هـ/713 - 714 م.
وضرب للبلاد عملة جديدة تحمل على أحد وجهيها شهادة أن لا إله إلا الله، وبذلك كان أول عربى حكم قطرا أوربيا، وجاءه نبأ بانتقاض إشبيلية فأرسل إليها ابنه عبد العزيز