وهى إنما نظمت بعامية عربية أندلسية أتاحت لها أن تروى فى المشرق وتتداول به وتحاكى فيه، وقد كتب فيها علماء اللغة الأندلسيون-مثل الزبيدى-كتبا مختلفة. وامتازت الأندلس بكثرة الشعراء فيها كثرة مفرطة، ويدل على ذلك وفرة ما وضع فيهم هناك من كتب، وخاصة كتاب الذخيرة لابن بسام بمجلداته المقصورة على عصر أمراء الطوائف، وقد ترجم لأكثر من مائة شاعر أندلسى فى هذا العصر القصير الذى لا يكاد يتجاوز ثمانين عاما، فما بالنا بمن وراءهم من الشعراء فى قرون الأندلس الثمانية. ومن يرجع إلى كتاب نفح الطيب يجد المقرى يترجم فيه لعشرين شاعرة كن مشهورات، ووراءهن كثيرات لم تكن لهن شهرتهن. ونفذت الأندلس فى أثناء هذا النشاط الشعرىّ الجمّ إلى ابتكار فن شعرى جديد هو فن الموشحات، وذهب غير مستشرق إسبانى إلى أن هذا الفن نشأ فى الأندلس من المزج بين الشعر العربى وبعض الأغانى الرومانثية فى اللاتينية الإسبانية الدارجة، وليس فى أيديهم أغنية رومانثية واحدة يستطيعون أن يثبتوا بها دعواهم فى هذا المزج المزعوم. والصحيح أن الموشحات صورة أندلسية حديثة تطورت عن المسمّطات المشرقية المعروفة فى الشعر العربى، وهى تتألف من أدوار، وكل دور فيها يختم بشطر تغاير قافيته قوافى الشطور السابقة له فى الدور بينما تتحد مع قوافى جميع الشطور الأخيرة فى الأدوار المختلفة، وكل ما بين المسمطات والموشحات من خلاف أن الشطر الأخير المتحد القافية فى أدوار المسمطات تعدّد فى الموشحات مما يقطع-دون أدنى ريب-بأنها تطورت تطورّا طبيعيّا عن المسمطات. ويؤكد ذلك أن من أنشأوها وطوّروها فى الأندلس كانوا من أصول عربية خالصة فقد أنشأها عربى فى أواخر القرن الثالث الهجرى هو مقدم بن معافى، وطوّرها فى القرن الرابع الهجرى وأوائل الخامس عربيان هما يوسف بن هرون الرمادى الكندى وعبادة بن ماء السماء الخزرجى الأنصارى. وألمّ هذا الفصل الثالث بكبار الوشاحين وترجم لنفر منهم، كما ألمّ بالأزجال التى نظمت بالعامية على غرار الموشحات مع الترجمة لناظمها الأندلسى المشهور: ابن قزمان.
واستعرض الفصل-بعد ذلك-روائع شعراء المديح فى الأندلس على مر العصور مع الترجمة لسبعة من أعلامهم، وبالمثل استعرض روائع شعر الفخر مع الترجمة لثلاثة منهم وروائع شعراء الهجاء مع الترجمة لأربعة من كبار الهجائين، كما استعرض روائع أصحاب الشعر التعليمى مع الترجمة لعلمين من أعلامهم.
وعرض الفصل الرابع روائع الأغراض فى بقية الشعر الأندلسى مع الترجمة لبعض شعراء الأندلس المبدعين، وأول غرض عرضه الغزل، وفيه تتفوق الأندلس-فى رأينا-