فيها المحب لوعة وهياما، ونلتقى فى أيام العثمانيين بالعسيلى وما يتميز به غزله من رهافة الحسّ ودقته.
ويتكاثر الفخر بدوره: الفخر بالأخلاق النبيلة وبالبأس والشجاعة، ولابن سناء الملك فيه منظومة رائعة جسّد فيها روحا قوية عاتية: روح بطولة صلاح الدين وجيشه المصرى الباسل وما أذاقا حملة الصليب من دمار وتنكيل لا يماثله تنكيل. ومن قديم يسيل الهجاء فى ألسنة الشعراء المصريين، وكثيرا ما سلطوا سهامه على الفاطميين ووزرائهم وقد ينحون به أحيانا نحو الدعابة. ونلتقى فى الفخر بتميم بن المعز الفاطمى المفاخر بأسرته الفاطمية العلوية فخرا مضطرما بشرر كثير وجهه إلى ابن المعتز الشاعر العباسى وأسرته العباسية، ولطلائع بن رزّيك وزير الفاطميين بأخرة من أيامهم فخر كثير بانتصاراته على حملة الصليب. وكان ابن الذروى من كبار الهجائين، وله أهجية فى أحدب مليئة بالسخرية الموجعة، ومثله أحمد بن عبد الدائم الشرمساحى، وكان يكثر من هجائه للناس حتى القضاة وعلماء الدين، وعلى شاكلته حسن البدرى الحجازى إذ لم يسلم من هجائه أحد حتى المتصوفة.
ويتعمق الشعور بجمال الطبيعة على ضفاف النيل وفى وديانه ورياضه وحدائقه نفوس الشعراء منذ المريمى شاعر خمارويه، وتكثر مجالس الأنس واللهو والغناء والطرب، ويمثل ذلك كله ابن وكيع المشغوف فى أشعاره بالطبيعة والخمر، والشريف العقيلى شاعر الطبيعة المصرية غير مدافع، وابن قادوس وكان يشغف بوصف الخمر، ومثله عبد الباقى الإسحاقى أيام العثمانيين. وعرفت مصر بالزهد والنسك من قديم، ويظل شعر الزهد فيها مزدهرا على مر الأزمنة، وكان ذو النون المصرى-كما مرّ بنا-قد وضع أسس التصوف الإسلامى فى القرن الثالث الهجرى، غير أنه لم يزدهر بمصر إلا منذ عصر صلاح الدين الأيوبى، وأخذ يتضح فيه-كما مر بنا-اتجاهان: اتجاه فلسفى مثّله خير تمثيل ابن الفارض واتجاه سنى مثله أصحاب الطرق الصوفية وأتباعهم من مثل الطريقة الشاذلية، ومن أتباعها الشعراء أبو العباس المرسى، وقد ترجمت قبله لابن الكيزانى الصوفى المعاصر لصلاح الدين وله أشعار صوفية بديعة، وفصلت القول فى ابن الفارض ومجاهداته الروحية وعشقه الربانى، وفنائه وانمحائه فى الذات الإلهية إنمحاء كليا.