بديعة بل مناحة كان ينوح بها أهل أسوان على المقابر نادبين موتاهم، وابن النقيب الحسن بن شاور وله شكوى مرة من الظلم والخسف ومن العوز والبؤس، وعبد الله الإدكاوى أيام العثمانيين، وله مرثية يرثى فيها نفسه ويبكيها وقد حمله النّعش إلى مثواه.
وكان للدعوة الفاطمية الإسماعيلية شعراء غلوا فى مديح خلفائهم غلوا مقيتا، إذ جعلوهم فوق البشر والبشرية مسبغين عليهم بعض صفات الذات العلية، وأهم شعرائهم ابن هانئ الأندلسى، وتموج أشعاره فى المعز الفاطمى بضلال ما بعده ضلال، وكان شاعرا فذا غير أنه سخّر ملكته الشعرية فى مديح المعز بصفات إلهية قدسية، بهتان ما بعده بهتان. وعلى شاكلته المؤيد فى الدين الشيرازى إذ يجعل الخلفاء الفاطميين فى مديحه فوق الطبيعة البشرية ويسبغ عليهم الصفات الربانية. وثالث هؤلاء الشعراء ظافر الحداد وهو مصرى من الإسكندرية، ويلتقط من ابن هانئ-الذى صرّح فى بعض مديحه للآمر بأنه يحاول محاكاته-بعض معانيه مثل فكرة طاعة الخليفة الفاطمى وأنها فرض واجب، كما أخذ عنه فكرة أن الخليفة نور خالص، غير أنه ظل لا يسرف إسراف ابن هانئ والمؤيد الشيرازى فى إضفاء الصفات الإلهية على الخليفة، ومع ذلك يعد شذوذا على المصريين فى أيام الفاطميين، إذ انصرفوا انصرافا تاما عن العقيدة الفاطمية الإسماعيلية المنحرفة، وظلوا مثل آبائهم سنّيين.
ويكثر الغزل مصورا عاطفة الحب الإنسانية عند الشعراء المصريين وقد بثوا فيه حبا متقدا لا تخبو ناره أبدا بما يصور من اللوعات والصبابة والهيام والوله، ويموج شعر كثيرين بوجد لا حدود له على نحو ما يلاحظ فى غزل ابن سناء الملك، ويعم الغزل الوجدانى بعض أشعار الغزلين، وكأنما يتأثرون فيه الغزل الصوفى الملتاع المعاصر لهم، ومن أهم شعرائه وأروعهم ابن النبيه، وغزله يتسامى إلى مستوى وجدانى رفيع، مما دفع المغنين إلى التغنى به لا فى مصر وحدها بل أيضا فى كثير من ديار العرب، وتغنت السيدة أم كلثوم ببعض غزله الوجدانى المكتظ باللهفة واللوعة والرقة واللطف. ولا يقل عنه فى الغزل الوجدانى روعة البهاء زهير، وكأنما انطبع الوجد الصوفى وأشواقه فى أعماق نفسه مما جعل بعض غزلياته تلتبس عند الأسلاف بغزليات ابن الفارض وما تحمل من مواجد صوفية. ولا بن مطروح صديقه حظ من هذا الغزل المملوء بحرارة الوجد ولوعاته والذى يقطر رقة ودماثة وظرفا.
ولبرهان الدين القيراطى غزل وجدانى كثير يتمثل فيه هذه الطريقة الغرامية التى يذوب