ومرّ بنا أن الشافعى هو الذى أسس علم أصول الفقه ورفع أركانه وشاد بنيانه، فكان طبيعيا أن تظل مصر بعده عاكفة على هذا العلم وأن يلقانا كثيرون من فقهاء الشافعية منكبّين عليه، وسرى ذلك منهم إلى فقهاء الحنفية، بل أيضا إلى فقهاء المالكية والحنابلة. ولن نستطيع أن نلم بما كتب فى هذا الميدان لكثرته، ولذلك سنكتفى بذكر بعض كتبه المهمة، من ذلك كتاب الإحكام فى أصول الأحكام لسيف (?) الدين الآمدى نزيل مصر سنة 592 المتوفى سنة 631 وهو من أجمع وأروع ما وضع فى هذا العلم. ولابن الحاجب الذى مر ذكره بين النحاة مختصر له شرح مرارا وتكرارا، ولشمس (?) الدين الأصفهانى بعده المتوفى سة 688 شرح كبير لكتاب المحصول فى علم الأصول لفخر الدين الرازى. ولبهاء الدين السبكى المذكور فى فقهاء الشافعية كتاب بديع فى الأصول سماه جمع الجوامع.
ولم ينشأ فى مصر مذهب مستقل فى علم الكلام، فقد كانت تعتمد دائما على ما يأتيها من الخارج، غير أنه يلاحظ أنه منذ عهد صلاح الدين غلب مذهب الأشعرى الذى يقف بين المعتزلة وأهل السنة، يقول المقريزى فى الحديث عن مذاهب أهل مصر: «وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبى الحسن على بن إسماعيل الأشعرى. . وشرط ذلك فى أوقافه التى بديار مصر كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعى من القرافة والمدرسة التى عرفت بالشريفية بجوار جامع عمرو بن العاص والمدرسة المعروفة بالقمحية وخانقاه سعيد السعداء بالقاهرة، فاستمر الحال على عقيدة الأشعرى بديار مصر وبلاد الشام وأرض الحجاز واليمن وبلاد المغرب أيضا لإدخال ابن تومرت رأى الأشعرى إليها» (?). ولعل أكبر كتاب أشعرى ألف فى مصر كتاب أبكار الأفكار لسيف الدين الآمدى المذكور آنفا وفيه مباحث كبرى عن العلم والنظر وأقسام المعلوم والنبوات والمعاد. ويظل التأليف فى علم الكلام على مذهب الأشعرى ناشطا حتى نهاية زمن العثمانيين.