وأهم أعمال ابن حبيب الأدبية «نسيم الصّبا» وهو ثلاثون فصلا أو مقالة بتعبيرنا الحديث، اتخذ موضوعها الطبيعة أحيانا، إذ له فيها ثمانية فصول فى وصف السماء، والشمس والقمر، والمطر، والليل والنهار وفصول العام والبحر والنهر، والأشجار والثمار والروض والأزهار، وأحيانا اتخذ موضوعها الحيوان والطير، إذ له فيه أربعة فصول فى الخيل والإبل والوحش، والطيور، ورمى البندق أو الصيد. وأحيانا أخرى اتخذ موضوعها الأخلاق الاجتماعية كالكرم والشجاعة والعدل والإحسان. وقد يتخذ موضوعها الإنسان كوصف غلام أو وصف جارية، أو بعض علاقاته الإخوانية كالاستعطاف والشكر والثناء والتهنئة والرثاء، أو بعض شئونه المدنية كالكتابة، أو بعض شئونه الحربية كالسلاح والمعارك الحاطمة للاعداء، أو بعض علاقاته بالمرأة وما قد يحدث بينهما من الفراق أو يضنيه من العشق، وقد أدار الفصل الخاص به على مدحه وذمه، يذكر فيه محاسنه ومساويه. وبعض الفصول-كما يتضح من موضوعها-مفاخرات أو مناظرات، على نحو ما يلقانا عن فصول السنة فى الفصل الخامس. ونشعر دائما بالقدرة على التعبير المسجوع والتصوير الرائع كقوله فى الفصل السادس يصف البحر وسفينة شق بها عبابه:
«هزّتنى رياح الأمل البسيط، إلى امتطاء ثبج (?) البحر المحيط، فأتيت سفينة يطيب للسّفر مثواها، وركبت فيها {بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها}. يا لها سفينة، على الأموال أمينة، ذات دسر (?) وألواح، تجرى مع الرياح، وتطير بغير جناح، وتعتاض عن الحادى (?) بالملاّح، تخوض وتلعب، وترد (?) ولا تشرب، لها قلاع كالقلاع (?)، وشراع يحجب الشّعاع، وسكينة وسكّان (?) ومكانة وإمكان، وجؤجؤ وفقار (?)، وأضلاع محكمة بالقار (?). . بعيدة ما بين السّحر والنّحر (?)، من أحسن الجوارى (?) المنشآت فى البحر، معقود بنواصيها (?) الخير كالخيل، لا تملّ من سير النهار ولا من سرى الليل: