عاداتهم وما أخذوه من العادات الإسلامية الشرقية فى المطعم والملبس، مما يؤكد أنهم إذا كانوا قد غزوا ديارنا فقد غزتهم بمدنيتها وحضارتها.
وليس فى هذه الترجمة الشخصية لأسامة أى ترتيب زمنى ولا أى نسق تأليفى، بل الأخبار أو قل الذكريات يأخذ بعضها برقاب بعض، ذكرى من الكهولة وذكرى من الشباب وذكرى من الشيخوخة، أو قل إنها ذكريات مبعثرة، غير أنها كتبت بأسلوب قصصى ممتع لا تصنع فيه ولا تكلف، فلا سجع يداخله ولا محسن من محسنات البديع، بل يترك أسامة نفسه على سجيتها يصف ما شاهد وصفا نابضا بالحياة فى لغة سهلة، حتى لتقترب أحيانا من العامية. وتشهد بذلك القطعة المارة آنفا، ففيها بعض الخطأ فى الإعراب وفى نسق الأسلوب، غير أن ذلك لا يتصل فى الذكريات اتصالا من شأنه أن يخرجها من المجال الأدبى الفصيح، وجعل هذا المنحى أسامة يستخدم أحيانا كلمات إفرنجية وأخرى فارسية أو تركية، وكأنما يريد أداء الواقع بكل ما يتصل به من لغة الناس لزمنه. وفى الحق أن هذه الذكريات نفيسة إلى أبعد حد لما تحمل من أحداث حربية وسياسية وأحوال اجتماعية وخاصة لحملة الصليب، سجّلها مشاهد لها رآها تحت بصره.
مؤلف هذا الكتاب الذى يعد طرفة أدبية نفيسة بدر الدين الحسن بن عمر الدمشقى المعروف باسم ابن حبيب أحد أجداده، ولد لأبيه بدمشق سنة 710 ولم يلبث الأب أن عيّن محتسبا بحلب، فنشأ بها بدر الدين، ورحل فى طلب العلم والأدب إلى دمشق وأخذ عن ابن نباتة ثم إلى القاهرة والفسطاط سنة 736 وأقام فى الاسكندرية مدة، ثم تركها إلى القدس والخليل ومكة.
وعاد إلى حلب فطرابلس سنة 758 وناب عن الحكم بدمشق فى عهد الأمير سيف الدين منجك، وولى كتابة الإنشاء فترة وعاد إلى حلب وبها توفى سنة 779. وله تاريخ فى سلاطين المماليك سماه درة الأسلاك فى دولة الأتراك وهو مسجوع، وله تذكرة النبيه فى أيام المنصور (قلاوون) وبنيه، وله فى السيرة النبوية كتابان: النجم الثاقب فى أشرف المناقب، والمقتفى فى ذكر فضائل المصطفى.